إنسان المنتصب القامة في بلاد الشام: دراسة لآثار العصر الحجري القديم الأدنى (ست مرخو والكوم)، وتحليل دور الاستخدام المبكر للنار في تطوير قدرات الصيد وزيادة وتيرة الأثر السلبي على الغابات والبيئة

إنسان العصر الحجري القديم: تطور الأدوات وتزايد الأثر على البيئة العربية

يمثل العصر الحجري القديم الأدنى والأوسط فترتين حاسمتين في تطور الإنسان، حيث ظهرت كائنات ذات قدرات متنامية، كان لها تأثير متزايد وملحوظ على البيئة المحيطة، لا سيما في منطقة الوطن العربي.


أولاً: العصر الحجري القديم الأدنى (إنسان المنتصب القامة)

في هذه الفترة المبكرة، ظهر نوع من الإنسان يُعرف باسم إنسان جاوة أو الإنسان القرد (Homo Erectus)، أو ما يُعرف بالإنسان المنتصب القامة. وقد تركت هذه الكائنات آثارًا واسعة النطاق في العديد من مناطق الوطن العربي:

  • انتشار الآثار في بلاد الشام: اكتُشفت آثار هذا الإنسان في مواقع مختلفة في فلسطين وسورية تحديداً. وشملت المواقع السورية المهمة: ست مرخو، وخطاب، والرستن، والقرماشي، ويبرود، والكوم، وغيرها، مما يؤكد أن منطقة الشام كانت مركزًا حيويًا لتواجده ونشاطه.
  • استخدام النار والتحول الغذائي:

  1. النار كأداة بقاء: استخدم إنسان المنتصب القامة النار في مرحلة مبكرة جداً لعدة أغراض حيوية، منها التدفئة والإنارة، وطبخ الأطعمة النباتية واللحوم النيئة، والأهم من ذلك، حماية نفسه والدفاع عن حياته في وجه الحيوانات المفترسة.
  2. النار المفتعلة: في هذه الفترة، كان من الصعب التفريق بين النار الطبيعية (التي تشتعل تلقائياً) والنار المفتعلة التي كان الإنسان يوقدها بإرادته. ومع مرور الوقت، أصبح استخدام النار إرادياً ومقصوداً بدلاً من أن يكون تلقائياً. وقد عُثر على أحد الدلائل الأولى لهذا الاستخدام المفتعل للنار في سورية.
  3. تأثير الطهي: أدى الاعتماد المتزايد على أكل اللحوم المطبوخة والمشوية بدلاً من النيئة إلى زيادة الطاقة المتاحة للجسم والعقل، ولكنه أدى في الوقت ذاته إلى زيادة وتيرة الصيد من حيث الكم والنوع لتلبية الاحتياجات الغذائية الجديدة.
  • تطور قدرات الصيد: طور هذا الإنسان قدراته على الصيد، وتمكن من اصطياد حيوانات متنوعة، شملت حيوانات كبيرة ومتوسطة الحجم مثل الفيل، ووحيد القرن، وفرس الماء، والدب، والحصان.

ثانياً: العصر الحجري القديم الأوسط (تزايد الأثر البشري)

شهد العصر الحجري القديم الأوسط استمراراً لتزايد التأثير البشري على البيئة، مع مزيد من الأدلة على الاستقرار والتعقيد في نمط الحياة:

  • انتشار واسع في بلاد الشام: عُثر على آثار إنسان هذه الفترة في مواقع كثيرة في بلاد الشام، منها مواقع قريبة من تدمر وفي مغارات جبل سمعان، بالإضافة إلى المواقع التي استمر استيطانها مثل يبرود.
  • تنويع مصادر الغذاء: دلت المعطيات الأثرية على أن سكان هذه المناطق اعتمدوا على مزيج من المصادر الغذائية:

  1. الصيد: استمروا في صيد حيوانات متنوعة مثل الحصان البري، ووحيد القرن، والدب، والوعل، والغزال.
  2. الجمع: قاموا بـ جمع الثمار والنباتات، مما يدل على نمط حياة أكثر مرونة واقتصادًا يجمع بين القنص والجمع.
  • تأكيد تزايد التأثير السلبي على البيئة: تؤكد هذه الأنشطة المتزايدة والمقصودة على تزايد القدرات والإمكانيات البشرية في التأثير السلبي والمفتعل على عناصر البيئة. وقد تجسد هذا التأثير في:

  1. القضاء على المزيد من الغابات: من خلال الاستخدام المتوسع للنار المفتعلة (لأغراض التدفئة والطهي والحماية).
  2. استنزاف الكائنات الحية: عبر الصيد المكثف لتوفير اللحوم، مما يهدد استقرار أعداد الحيوانات البرية.

بشكل عام، تدل الآثار المكتشفة في بلاد الشام على أن التطور البشري منذ العصر الحجري القديم ارتبط بزيادة قدرة الإنسان على تعديل بيئته، مما مهد الطريق للتغيرات البيئية واسعة النطاق التي ستأتي في العصور اللاحقة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال