أشكال المسرح: تنوع في الفن والمكان
يُعد المسرح فناً شاملاً ومتنوعاً، ويتجلى هذا التنوع في أشكاله المختلفة التي يمكن تصنيفها بناءً على النوع الفني/الدرامي، أو الشكل المعماري/مكان العرض.
أولاً: أشكال المسرح من حيث النوع الفني/الدرامي
تشير هذه الأشكال إلى محتوى المسرحية وطبيعة المعالجة الدرامية والأسلوب المستخدم.
1. المسرح الكلاسيكي التقليدي:
وهو الأساس الذي انبثقت منه معظم الأشكال، ويشمل:
- التراجيديا (المأساة):
- تتناول قضايا جادة ومصيرية، وينتهي مصير بطلها عادة بالفشل أو الموت أو الخسارة الفادحة.
- تهدف إلى إثارة مشاعر الشفقة والخوف لدى الجمهور (التطهير أو الـ كاثارسيس).
- الكوميديا (الملهاة):
- تتناول مواقف خفيفة ومضحكة، غالباً ما تنتقد قضايا اجتماعية أو سياسية بطريقة ساخرة.
- تنتهي عادة نهاية سعيدة أو مرضية.
2. الأشكال الدرامية الحديثة والمعاصرة:
تطورت هذه الأشكال استجابة للتغيرات الاجتماعية والفكرية:
- المسرح الواقعي (الواقعية):
- يسعى لتقديم الحياة اليومية كما هي، دون مبالغة أو تجميل.
- يركز على المشاكل الاجتماعية والنفسية للأفراد.
- من أبرز رواده: هنريك إبسن، أنطون تشيخوف.
- المسرح الملحمي:
- شكل أسسه برتولت بريشت، يهدف إلى إبعاد الجمهور عن التماهي العاطفي مع الشخصيات.
- يعتمد على التغريب (إبراز أن ما يراه الجمهور هو تمثيل وليس واقعاً) لدفعهم إلى التفكير العقلاني والنقدي في القضايا المطروحة.
مسرح العبث (اللامعقول):
- نشأ بعد الحربين العالميتين، ويعبر عن فقدان المعنى والجدوى في الحياة.
- يتميز بحوارات غير منطقية، أحداث متكررة أو غير مترابطة، وشخصيات تبدو بلا هدف واضح.
- من رواده: صموئيل بيكيت، ويوجين يونسكو.
المسرح التجريبي:
- يضم كافة المحاولات التي تكسر القواعد التقليدية للنص، التمثيل، أو الإخراج.
- يهدف إلى استكشاف أشكال جديدة للتعبير والعرض، وقد يركز على الجانب البصري أو الجسدي بشكل كبير.
3. المسرح الموسيقي وأشكال الأداء:
تعتمد هذه الأشكال على دمج عناصر فنية أخرى مع التمثيل:
- الأوبرا: مسرحية غنائية بالكامل، حيث يتم تقديم الحوار والأحداث عن طريق الغناء المصحوب بالأوركسترا.
- المسرحية الموسيقية (Musical Theatre): يمزج فيها التمثيل مع الغناء والرقص، وتكون الأغاني جزءاً مكملاً للقصة والحوار.
- مسرح الباليه والرقص: يستخدم فيه الرقص والحركة الجسدية (بدلاً من الكلام) لسرد القصة والتعبير عن الأحداث والمشاعر.
- التمثيل الصامت (البانتومايم): يتم تقديم القصة بالاعتماد كلياً على الإيماءات وتعابير الوجه وحركة الجسد.
ثانياً: أشكال المسرح من حيث المكان والتصميم المعماري
يُصنف المسرح بناءً على الشكل المعماري لمكان العرض وعلاقة الجمهور بالخشبة إلى أربعة أشكال رئيسية، لكل منها خصائصه المميزة:
1. مسرح البروسينيوم (Proscenium Theatre):
يُعرف هذا الشكل أيضاً باسم مسرح العلبة، وهو التصميم الأكثر شيوعاً للمسارح التقليدية.
- الوصف: يتميز بوجود إطار كبير أو قوس يُعرف باسم قوس البروسينيوم، والذي يعمل كفاصل بصري بين المسرح والجمهور.
- علاقة الجمهور: يجلس الجمهور في جهة واحدة فقط، وكأنهم ينظرون من خلال نافذة إلى عالم العرض. يُشار إلى هذا الإطار أحياناً بالجدار الرابع الخيالي الذي يُزال ليكشف عن المشهد.
2. المسرح ذو المسرح البارز (Thrust Stage):
يُعد هذا الشكل تطويراً للعروض الكلاسيكية ويُعرف بكونه أكثر حميمية.
- الوصف: تبرز خشبة المسرح وتندفع نحو منطقة الجمهور.
- علاقة الجمهور: يكون المسرح محاطاً بالجمهور من ثلاث جهات، مما يزيد من القرب والتفاعل بين الممثلين والمشاهدين، ولكنه يفرض تحديات على تصميم المناظر الخلفية.
3. المسرح الدائري/الحلبي (Arena/Theatre in the Round):
هذا الشكل يكسر بالكامل حاجز الفصل بين الممثل والجمهور.
- الوصف: المسرح (منطقة الأداء) يقع في منتصف القاعة.
- علاقة الجمهور: يحيط الجمهور بخشبة المسرح من الجهات الأربع، على شكل دائري أو مربع. يتطلب هذا التصميم إخراجاً حذراً لضمان رؤية جميع المشاهدين لأداء الممثلين.
4. المسرح المتعدد الأشكال (Black Box/Flexible Theatre):
يُعد هذا الشكل الأكثر مرونة، وغالباً ما يُستخدم للعروض التجريبية.
- الوصف: هو قاعة فارغة بجدران سوداء (في الغالب)، يمكن تعديل ترتيب المقاعد وخشبة المسرح فيها بالكامل.
- علاقة الجمهور: يوفر مرونة قصوى للمخرج لتحديد العلاقة بين الجمهور والأداء (قد يكون مسرحاً أمامياً، أو مسرحاً بارزاً، أو حتى دائرياً) حسب متطلبات العرض.
خاتمة:
تتفاعل هذه الأشكال المختلفة (الفنية والمعمارية) لتكوين التجربة المسرحية. فالمسرح اليوم هو مساحة حرة للدمج والابتكار، حيث يمكن تقديم مسرحية ملحمية على خشبة دائرية، أو عرض واقعي في مسرح تجريبي.