أما غولدمان ومنهجه البنيوي التكويني فقد عرضه الباحث من خلال المؤثرات اللوكاشية عليه، حيث انطلق غولدمان من هذه المبادئ لإحداث تغيير جذري في منهجية سوسيولوجيا الأدب، معترفاً بدور لوكاش المؤسس الأول لهذه المنهجية.
ولكن الدراسات السابقة في هذا الميدان إذا كانت قد اكتفت بالبحث عن تطابق العالم الواقعي والتجريبي في العالم الأدبي، فإنها قد اكتفت بالبحث عن الوثائق التاريخية أكثر مما تبحث عن الأدب ووحدته.
أما علم الاجتماع البنيوي التكويني فيعتمد الأمور التالية:
1 ـ تبحث العلاقة الأساسية بين الحياة الاجتماعية والإبداع الأدبي عن البنى الذهنية أو العناصر المقولاتية التي تكوّن وتنظم الوعي التجريبي لمجموعة اجتماعية والعالم الخيالي الذي أبدعه الأديب.
2 ـ البنى الذهنية هي ظواهر اجتماعية لا فردية: فتجربة الفرد الواحد قصيرة جداً ومحدودة لا يمكنها خلق هذا البناء الذهني الذي ينتج هذا النشاط المشترك لمجموعة اجتماعية.
3 ـ إن العلاقة بين البنى الذهنية والظواهر الاجتماعية هي علاقة جدلية، وإن المضامين قد تكون غير متجانسة.
وفي إطار هذه المفاهيم يمكن دراسة الأدب، لأن البنى الذهنية تعكس الواقع التجريبي إلى عالم خيالي، بما يشبه عمليات اللا شعور الفرويدية، لذلك لا تكفي دراسة النص الأدبي وحده كعنصر مستقل، ولا دراسة العوامل النفسية الشعورية واللا شعورية للأديب، بل تتطلب الدراسة الأدبية توظيف المنهج البنيوي التكويني؛ إذ لا يمكن إرجاع كل شيء إلى وعي الأديب، لأن هذا الوعي ليس سوى جزء من السلوك العام للإنسان.
والأديب قد يكتب أشياء لا يعيها، وقد يهرب من الضغوط الاجتماعية إلى عالم خيالي يبدعه.
ومن هنا تبدو وظيفة الإبداع الأدبي في أنه يخلق توازناً يفتقده الإنسان في العالم الواقعي، مثلما يحدث في الأحلام.
وإذا كان فرويد قد حلل الفاعل كفرد يتمثّل في (الأنا) فإن المنهج البنيوي التكويني قد جعل (الفاعل) جمعياً.
ولا يقصد بمفهوم الجماعة البشرية مجموعة الأفراد، بل مجموعة اجتماعية خاصة، تتفاعل مع مختلف المجموعات البشرية المناقضة لها.
ولا يقصد بمفهوم الجماعة البشرية مجموعة الأفراد، بل مجموعة اجتماعية خاصة، تتفاعل مع مختلف المجموعات البشرية المناقضة لها.
وفي تحليل النص الأدبي يستعمل المنهج التكويني مستويين هما: الفهم، والشرح. وهما يتكاملان أثناء التحليل الأدبي.
(فالفهم) عملية فكرية تتمثّل في وصف الشيء المدروس حتى يتسنّى للباحث استخراج نموذج بنيوي دال، يتكوّن من عدد محدود من العناصر والعلاقات بين هذه العناصر التي تمكّن من إعطاء صورة إجمالية للنص، بشرط أن يؤخذ النص وحدة متكاملة دون إضافة أي شيء إليه.
وأما (الشرح) فيحيط بالبنى التي تحيط بالعمل الأدبي المدروس، وهو يدرك العمل الأدبي كعنصر وظيفي في إطار بناء أوسع.
ولا يدخل الباحث في البناء الشامل إلا ما يساعده على كشف أصل العمل الذي يدرسه.
ولا يدخل الباحث في البناء الشامل إلا ما يساعده على كشف أصل العمل الذي يدرسه.
ولا توضع هذه العلاقة مع فرد خارج العمل الأدبي، بل مع مجموعة اجتماعية ينتمي إليها المبدع الذي أبدع العمل الأدبي.
في القسم التطبيقي من الكتاب حاول الباحث الإحاطة بهذا المنهج في النقد الجزائري الجديد (الإشكالية في رواية العشق والموت في الزمن الحراشي).
وفي القصة القصيرة الجزائرية، حيث ناقش كتاب: القصة القصيرة في عهد الاستقلال للناقد الجزائري محمد مصايف، فأخذ عليه فصله بين (الشكل) و(المضمون)، وحديثه عن القصة وكأنما هي وثيقة اجتماعية وسياسية، وإهماله العناصر الفنية للقصة، ثم ختم الباحث كتابه بفصل عن (النماذج القصصية) عرض فيه لـ: الليل ينتحر، والجراد المر، والتفكيك، والتلميذ والدرس، والشمس تشرق على الجميع، والزلزال.
وفي كلها كانت معالجته تقليدية لا بنيوية تكوينية، يكتفي فيها بتلخيص مضمون القصة فقط.
ولعلها مقاربات كُتبت من قبل الباحث قبل أن يهتم بالمنهج البنيوي الذي نظّر له جيداً.
التسميات
نماذج بنيوية
