بطء التحول الديموغرافي والتدهور الاقتصادي.. تحفيز الدخل القومي على خفض معدلات الخصوبة بشكل متناسب مع نمو الدخل ومع تطور هيكل الإنتاج وهيمنة القطاع الصناعي

نلاحظ أن طبيعة العلاقة بين التغيرات  الديموغرافية والنمو الاقتصادي هي علاقة سببية لها اثر استرجاعي وتندرج تحت مفهوم النظم من حيث إن هناك  مدخلات ومخرجات و تتغير الأدوار بين المدخلات والمخرجات مع الزمن، فالشواهد التاريخية المستقاة من تجارب البلدان الصناعية الغربية  تشير إلى أن التقدم  التكنولوجي وتعاظم تكوين رأس المال قد عمل على تحفيز النمو الاقتصادي و زيادة ادخل القومي وبدوره.

وبموجب أربعة مراحل تنموية رئيسية عمل الدخل القومي على  تحفيز خفض معدلات الخصوبة بشكل متناسب مع نمو الدخل ومع تطور هيكل الإنتاج وهيمنة القطاع الصناعي.

إن اتساع القطاع الصناعي واستيعابه للسكان في سن العمل حفز في حينه على انتقال الأيدي العاملة من القطاعات الاقتصادية الأخرى خاصة القطاع الزراعي مؤديا بذلك إلى تغيير أنماط الخصوبة وسلوكها.

أما التجارب المعاصرة  فقد وفرت شواهد مختلفة تماما حيث إن التغيرات  الديموغرافية  لم تكن نتيجة للنمو الاقتصادي بقدر ما كانت سبب في زيادة في تراكم رأسمال من خلال نمو السكان في سن العمل وانخفاض نسبة المعالين.

فقد أدى التقدم الصحي والتعليمي إلى خلق خزين من رأس المال البشري كانت استجابته سريعة لأنماط وتقنيات حديثة في الإنتاج موظفا بذلك معارفه في خلق القيمة المضافة  وكما حدث في بلدان شرق آسيا.

أن تخصيص  جزء كبير من الدخل القومي للاستهلاك يأخذ أشكالا عدة.
فعندما يتم تمويل الاستثمار عن طريق الادخار الخاص، فان الأسر الكبيرة تجد صعوبة في زيادة ادخارها مما يؤدي إلى انخفاض حجم الادخار الكلي وبالتالي انخفاض  مستوى الاستثمار.

وعندما تكون الأسرة الكبيرة فقيرة وليست مصدرا للادخار، فان ارتفاع الخصوبة يؤدي إلى ضغط اجتماعي لزيادة حصة هذه الأسر من الدخل القومي وذلك للإبقاء على مستوى معين من الاستهلاك.

أما عندما تكون الدولة هي الممولة للاستثمار من خلال الادخار العام فان ارتفاع معدلات الخصوبة يؤدي إلى زيادة الأنفاق وتباطؤ معدلات الاستثمار.

أن الجديد الذي أضافته تجربة بلدان شرق آسيا على أدوات التحليل هو الأثر ألاسترجاعي للبعد الديموغرافي وسرعته، ويتمثل ذلك في أن انخفاض أعداد المعالين يؤدي ألي زيادة  في الادخار والاستثمار خاصة في الصحة والتعليم، بدورها تؤدي إلى انخفاض الخصوبة.
فما كان سببا في وقت من الأوقات قد  يصبح نتيجة بفعل التغذية  الاسترجاعية.

 وعند ارتفاع نمو السكان في سن العمل وانخفاض معدلات الإعالة عندها  يظهر بوضوح الأثر الإيجابي لانخفاض معدلات الخصوبة ممثلا بزيادة حصة الفرد من مدخلات الإنتاج ورافعا متوسط دخل الفر وقد يؤدي الانخفاض المتوقع للخصوبة بالتزامن مع عدد أقل من السكان المعالين، إلى إمكانيات في نمو متوسط دخل الفرد  قد تمتد على مدى خمسة وعشرين سنة خاصة وان  التجارب التاريخية تبين  أن حدوث هذه العملية في موازاة نمو بطيء لفئة كبار السن تتيح لعدد من الدول - في أوقات متفاوتة إنما لزمن محدد - ظهور الهبة الديموغرافية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال