ترسيخ حب النبي –ص- وحب آل بيته وصحبه في نفوس الأطفال

قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (31) سورة آل عمران
"إنَّ حب الرسول -ص- واجب على كل مسلم وهو يأتي بعد حُبِّهِ لله -سبحانه وتعالى-، وقد أمرنا الله -سبحانه وتعالى-  بِحُب الرسول –ص- وقرن حُبَّه-سبحانه وتعالى- بحب الرسول –ص- "[49]
"يعطي القرآن الكريم الصورة الواضحة المميزة عن أخلاقة [ محمد - ص-] وأفعاله وأقواله قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم،ونحن نعيش بعيدين عنه بفاصلة زمنية هي أربعة عشر قرناً، ولقد أبقى القرآن الكريم الرسول العظيم – ص- حياً في قلوب المسلمين متعايشاً في مشاعرهم وتفكيرهم يفضون تجاهه بمشاعر الحب والتقدير، فواجبنا كمربين أن نرسخ في نفوس أطفالنا حب رسول الله –ص- وحب آل بيته، وأن نبين لهم أن حب رسول الله –ص- يفوق كل حب، وأنَّ حبه من الإيمان"[50]
عَنْ أَنَسٍ،عَنِ النَّبِيِّ (ص)، قَالَ:لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.[51]
" فبحب رسول الله –ص- يتحقق الشطر الثاني من الشهادة، شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وبترسيخ محبة رسول الله –ص- تتحرك مشاعر الطفل وأحاسيسه ويقوى لديه الانتماء إلى هذا الدين وترسخ لديه عقيدة الإيمان به كرسول منزل، ولِنُبين لأطفالنا أنَّ محبة رسول الله –ص- لا تتحقق بالأقوال دون الأفعال."[52]
ولكن تتحقق باتباع الآتي:
1) الاستجابة القوية لأوامره وتنفيذها، واجتناب نواهيه وبالبعد عنها، قال تعالى:{..وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ..} (7) سورة الحشر
 وفي الظلال:" القاعدة الثانية - قاعدة تلقي الشريعة من مصدر واحد: «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» .. فهي كذلك تمثل النظرية الدستورية الإسلامية. فسلطان القانون في الإسلام مستمد من أن هذا التشريع جاء به الرسول - ص- قرآنا أو سنة. والأمة كلها والإمام معها لا تملك أن تخالف عما جاء به الرسول.فإذا شرعت ما يخالفه لم يكن لتشريعها هذا سلطان، لأنه فقد السند الأول الذي يستمد منه السلطان .. وهذه النظرية تخالف جميع النظريات البشرية الوضعية، بما فيها تلك التي تجعل الأمة مصدر السلطات،بمعنى أن للأمة أن تشرع لنفسها ما تشاء، وكل ما تشرعه فهو ذو سلطان. فمصدر السلطات في الإسلام هو شرع اللّه الذي جاء به الرسول - ص- والأمة تقوم على هذه الشريعة وتحرسها وتنفذها - والإمام نائب عن الأمة في هذا - وفي هذا تنحصر حقوق الأمة. فليس لها أن تخالف عما آتاها الرسول في أي تشريع.
فأما حين لا توجد نصوص فيما جاء به الرسول بخصوص أمر يعرض للأمة فسبيلها أن تشرع له بما لا يخالف أصلا من أصول ما جاء به الرسول.وهذا لا ينقض تلك النظرية، إنما هو فرع عنها. فالمرجع في أي تشريع هو أن يتبع ما جاء به الرسول إن كان هناك نص. وألا يخالف أصلا من أصوله فيما لا نص فيه. وتنحصر سلطة الأمة - والإمام النائب عنها - في هذه الحدود. وهو نظام فريد لا يماثله نظام آخر مما عرفته البشرية من نظم وضعية. وهو نظام يربط التشريع للناس بناموس الكون كله. وينسق بين ناموس الكون الذي وضعه اللّه له والقانون الذي يحكم البشر وهو من اللّه. كي لا يصطدم قانون البشر بناموس الكون، فيشقى الإنسان أو يتحطم أو تذهب جهوده أدراج الرياح![53]
2) التأسي برسول الله –ص- في أقواله وأفعاله باتخاذه القدوة الحسنة.
" القدوة في التربية هي من أنجع الوسائل المؤثرة في إعداد الولد خُلقياً، وتكوينه نفسياً واجتماعياً، ذلك لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر الطفل، والأسوة الصالحة في عين الولد، يقلده سلوكياً ويحاكيه خلقياً من حيث يشعر أو لا يشعر،بل تنطبع في نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية من حيث يدري أو لا يدري "[54]
قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب.
 يَحُثُّ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ عَلَى الاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ (ص) والتَّأَسِّي بِهِ فِي صَبْرِهِ وَمَصَابَرَتِهِ وَمُرَابِطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ فَقَالَ لِلَّذِينَ أَظْهَرُوا الضَّجَرَ وَتَزَلْوَلُوا واضْطَربُوا فِي أَمْرِهِمْ يَوْمَ الأَحْزابِ: هَلاَّ اقْتَدَيْتُمْ بِرَسُولِ اللهِ، وتَأَسَّيْتُمْ بِشَمَائِلِهِ فَلَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إِنْ كُنْتُمْ تَبْتَغُونَ ثَوابَ اللهِ، وَتَخَافُونَ عِقَابَهُ، وَتَذْكُرونَ اللهَ ذِكْراً كَثيراً، فَذِكْرُ اللهِ يُؤَدِّي إِلى أُسْوَةٌ حَسَنٌ - قُدْوَةٌ صَالِحَةٌ فِي كُلِّ أَمْرٍ .[55]
لكن علينا أن نُعلِم أطفالنا بأن يتخذوا الرسول – ص– قدوتهم في الله ويتأسوا به ويسيروا على طريقه وبالتالي ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة والطمأنينة والسكينة والفلاح.
حب آل بيت النبي –  وأصحابه رضوان الله عليهم:
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (33) سورة الأحزاب
 {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ،{وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات،كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين،فكل هذا دفع للشر وأسبابه.
ولما أمرهن بالتقوى عمومًا، وبجزئيات من التقوى، نص عليها [لحاجة] النساء إليها، كذلك أمرهن بالطاعة، خصوصًا الصلاة والزكاة، اللتان يحتاجهما، ويضطر إليهما كل أحد، وهما أكبر العبادات، وأجل الطاعات، وفي الصلاة، الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة، الإحسان إلى العبيد.
ثم أمرهن بالطاعة عمومًا، فقال:{وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يدخل في طاعة اللّه ورسوله، كل أمر، أمرَا به أمر إيجاب أو استحباب. {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} بأمركن بما أَمَرَكُنَّ به، ونهيكن بما نهاكُنَّ عنه، {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} أي: الأذى، والشر، والخبث، يا {أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} حتى تكونوا طاهرين مطهرين.
أي: فاحمدوا ربكم،واشكروه على هذه الأوامر والنواهي، التي أخبركم بمصلحتها، وأنها محض مصلحتكم، لم يرد اللّه أن يجعل عليكم بذلك حرجًا ولا مشقة، بل لتتزكى نفوسكم، ولتتطهر أخلاقكم، وتحسن أعمالكم، ويعظم بذلك أجركم. [56]
علينا أن نحب آل بيت النبي – ص– ونسير حسب نهجهم.ولنخبر أولادنا عنهم ولنتأس بهم لأنهم: " أعلم المسلمين وأعبدهم وأورعهم وأتقاهم وأكرمهم وأحلمهم،وأشجعهم إلى جميع صفات الكمال "[57]
 وقال تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح
إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع. صورة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة،حالاتها الظاهرة والمضمرة. فلقطة تصور حالتهم مع الكفار ومع أنفسهم: «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم: «تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً» .. ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها: «يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً» .. ولقطة تصور أثر العبادة والتوجه إلى اللّه في سمتهم وسحنتهم وسماتهم: «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» ..«ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ» ..وهذه صفتهم فيها .. ولقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل .. «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ» «فَآزَرَهُ» .. «فَاسْتَغْلَظَ» «فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ». «يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ» ..: «لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ»
وتبدأ الآية بإثبات صفة محمد - ص- صفته التي أنكرها سهيل بن عمرو ومن وراءه من المشركين: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» .. ثم ترتسم تلك الصورة الوضيئة بذلك الأسلوب البديع.
والمؤمنون لهم حالات شتى. ولكن اللقطات تتناول الحالات الثابتة في حياتهم،ونقط الارتكاز الأصيلة في هذه الحياة. وتبرزها وتصوغ منها الخطوط العريضة في الصور الوضيئة .. وإرادة التكريم واضحة في اختيار هذه اللقطات، وتثبيت الملامح والسمات التي تصورها. التكريم الإلهي لهذه الجماعة السعيدة.
إرادة التكريم واضحة، وهو يسجل لهم في اللقطة الأولى أنهم: «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» ..
أشداء على الكفار وفيهم آباؤهم وإخوتهم وذوو قرابتهم وصحابتهم، ولكنهم قطعوا هذه الوشائج جميعا. رحماء بينهم وهم فقط إخوة دين.فهي الشدة للّه والرحمة للّه. وهي الحمية للعقيدة، والسماحة للعقيدة. فليس لهم في أنفسهم شي ء، ولا لأنفسهم فيهم شيء. وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم،كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها. يشتدون على أعدائهم فيها،ويلينون لإخوتهم فيها.قد تجردوا من الأنانية ومن الهوى، ومن الانفعال لغير اللّه،والوشيجة التي تربطهم باللّه.
وإرادة التكريم واضحة وهو يختار من هيئاتهم وحالاتهم، هيئة الركوع والسجود وحالة العبادة: «تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً» ..والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم.ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة، وهي الحالة الأصلية لهم في حقيقة نفوسهم فعبر عنها تعبيرا يثبتها كذلك في زمانهم،حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعا سجدا.
واللقطة الثالثة مثلها. ولكنها لقطة لبواطن نفوسهم وأعماق سرائرهم: «يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً» .. فهذه هي صورة مشاعرهم الدائمة الثابتة.كل ما يشغل بالهم، وكل ما تتطلع إليه أشواقهم،هو فضل اللّه ورضوانه.ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به.
واللقطة الرابعة تثبت أثر العبادة الظاهرة والتطلع المضمر في ملامحهم،ونضحها على سماتهم: «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» .. سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية،ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللطيف. وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله:«مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» .. فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة. واختار لفظ السجود لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية للّه في أكمل صورها. فهو أثر هذا الخشوع.أثره في ملامح الوجه، حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة. ويحل مكانها التواضع النبيل، والشفافية الصافية، والوضاءة الهادئة، والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا.
وهذه الصورة الوضيئة التي تمثلها هذه اللقطات ليست مستحدثة.إنما هي ثابتة لهم في لوحة القدر ومن ثم فهي قديمة جاء ذكرها في التوراة:«ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ» ..وصفتهم التي عرفهم اللّه بها في كتاب موسى،وبشر الأرض بها قبل أن يجيئوا إليها.
«وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ» .. وصفتهم في بشارته بمحمد ومن معه،أنهم:«كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ» ..فهو زرع نام قوي،يخرج فرخه من قوته وخصوبته. ولكن هذا الفرخ لا يضعف العود بل يشده. «فَآزَرَهُ». أو أن العود آزر فرخه فشده. «فَاسْتَغْلَظَ» الزرع وضخمت ساقة وامتلأت. «فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ» لا معوجا ومحنيا.ولكن مستقيما قويا سويا ..
هذه صورته في ذاته. فأما وقعه في نفوس أهل الخبرة في الزرع، العارفين بالنامي منه والذابل. المثمر منه والبائر. فهو وقع البهجة والإعجاب: «يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ». وفي قراءة يعجب «الزارع» .. وهو رسول اللّه - ص- صاحب هذا الزرع النامي القوي المخصب البهيج .. وأما وقعه في نفوس الكفار فعلى العكس. فهو وقع الغيظ والكمد: «لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ» .. وتعمد إغاظة الكفار يوحي بأن هذه الزرعة هي زرعة اللّه. أو زرعة رسوله، وأنهم ستار للقدرة وأداة لإغاظة أعداء اللّه! وهذا المثل كذلك ليس مستحدثا، فهو ثابت في صفحة القدر.ومن ثم ورد ذكره قبل أن يجيء محمد ومن معه إلى هذه الأرض. ثابت في الإنجيل في بشارته بمحمد ومن معه حين يجيئون.
وهكذا يثبت اللّه في كتابه الخالد صفة هذه الجماعة المختارة ..صحابة رسول اللّه (ص)..
فتثبت في صلب الوجود كله،وتتجاوب بها أرجاؤه،وهو يتسمع إليها من بارئ الوجود.وتبقى نموذجا للأجيال،تحاول أن تحققها،لتحقق معنى الإيمان في أعلى الدرجات.
وفوق هذا التكريم كله،وعد اللّه بالمغفرة والأجر العظيم: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً» .. وهو وعد يجيء في هذه الصيغة العامة بعد ما تقدم من صفتهم، التي تجعلهم أول الداخلين في هذه الصيغة العامة.
مغفرة وأجر عظيم .. وذلك التكريم وحده حسبهم.وذلك الرضى وحده أجر عظيم.ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود،والعطاء الإلهي عطاء غير مجذوذ.
ومرة أخرى أحاول من وراء أربعة عشر قرنا أن أستشرف وجوه هؤلاء الرجال السعداء وقلوبهم.وهم يتلقون هذا الفيض الإلهي من الرضى والتكريم والوعد العظيم.وهم يرون أنفسهم هكذا في اعتبار اللّه،وفي ميزان اللّه،وفي كتاب اللّه.وأنظر إليهم وهم عائدون من الحديبية،وقد نزلت هذه السورة،وقد قرئت عليهم.
وهم يعيشون فيها بأرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وسماتهم.وينظر بعضهم في وجوه بعض فيرى أثر النعمة التي يحسها هو في كيانه.
وأحاول أن أعيش معهم لحظات في هذا المهرجان العلوي الذي عاشوا فيه .. ولكن أنى لبشر لم يحضر هذا المهرجان أن يتذوقه. إلا من بعيد؟! اللهم إلا من يكرمه اللّه إكرامهم: فيقرب له البعيد؟! فاللهم إنك تعلم أنني أتطلع لهذا الزاد الفريد!!![58]
[49] - العك،خالد عبد الرحمن، تربية الأبناء والبنات،  ص 106
[50] - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 209-210
[51] - صحيح البخارى- المكنز - (14و15) وصحيح مسلم- المكنز - (178) وصحيح ابن حبان - (1 / 405)(179)
[52] - المصدر السابق ( سهام ) ص 210-211
[53] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3525)
[54] - علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام، جـ2/607
[55] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3435)
[56] - تفسير السعدي - (1 / 663)
[57] - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية،ص 217
[58] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3331)

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال