يتم الأطفال وبيئة الرعاية الصالحة للتنشئة القويمة.. انحراف الولد النفسي إذا وُجد اليتيم في بيئة لا ترعاه

أما عامل اليتم فهو عامل خطير في انحراف الولد النفسي،ولاسيما إذا وُجد اليتيم في بيئة لا ترعاه،ولا تكفكف أحزانه،ولا تنظر إليه بعين العطف والرحمة والمحبة..
والإسلام اهتم بشأن اليتيم الاهتمام البالغ من ناحية تربيته ومعاملته،وضمان معيشته..حتى ينشأ عضواً نافعاً في المجتمع،ينهض بواجباته،ويقوم بمسؤولياته،ويؤدي ماله وما عليه على أحسن وجه وأنبل معنى..
فمن اهتمام القرآن الكريم بشأن اليتيم أمْره بعدم قهره،والحط من شأنه وكرامته..{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } (9) سورة الضحى.
لِذَلِكَ كَانَ عَلَيْكَ أَنْ لاَ تَقْهَرَ اليَتِيمَ وَتَسْتَذِلَّهُ،بَلِ ارْفَعْ مِنْ شَأْنِهِ بالأَدَبِ،وَهَذَّبْ نَفْسَهُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ لِيَكُونَ عُضْواً نَافِعاً فِي جَمَاعَتِكَ،وَمَنْ ذَاقَ مَرَارَةَ اليُتْمِ وَالضَّيقِ فِي نَفْسِهِ،فَمَا أَجْدَرَهُ بِأَنْ يَسْتَشْعِرَهَا فِي غَيْرِهِ[1]
 وقال تعالى :{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) } الماعون:01-2.
هَلْ تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ الذِي يَكْفُرُ بِالقِيَامَةِ وَالبَعْثِ وَالنُّشُورِ؟
وَهُنَا يَصِفُ تَعَالَى ذَلِكَ الكَافِرَ بِالبَعْثِ وَالنُّشُورِ فَيَقُولُ:إِنَّهُ هُوَ الذِي يَدْفَعُ اليَتِيمَ دَفْعاً،وَيَزْجُرُهُ زَجْراً عَنِيفاً إِنْ جَاءَهُ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيئاً أَوْ حَاجَةً،وَذَلِكَ احْتِقَاراً لِشَأْنِهِ وَاسْتِعْلاَءً عَلَيْهِ .[2]
ومن اهتمام الرسول e بشأنه حضه على كفالته،وأمْره بوجوب رعايته،وبشارته الأوصياء – إن أحسنوا الوصاية – أنهم مع الرسول e في الجنة:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ e:أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا،وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى[3].
وعن ثَابِتَ بْنِ الْعَجْلَانِ قال:بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ:" مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ تَرَحُّمًا،كَانَتْ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَمُرُّ بِيَدِهِ عَلَيْهَا حَسَنَةٌ "[4]
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ:مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ،وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ،أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ،وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.[5]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ:اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ:الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ.[6]
ومعنى أحرّج:ألحق الحرج والإثم بمن ضيّع حقهما.
ورعاية اليتيم وكفالته واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والأقرباء،فعلى هؤلاء إن أرادوا أن يعالجوا أحوال اليتامى النفسية والخلقية..فما عليهم إلا أن يخصوهم بمزيد من الرحمة والعطف والعناية،وأن يشعروهم أنهم كأولادهم حبّاً ومعاملة وملاطفة..
وفي حال عدم وجود الأوصياء من الأقارب والأرحام فعلى الدولة المسلمة أن ترعاهم وتتولى أمرهم،وتشرف على تربيتهم وتوجيههم،وترفع من كيانهم وقَدْرهم في الحياة..
فهذا رسول الله e – باعتبار أنه الممثل الأول للدولة الإسلامية في المدينة – كان يخصّ اليتيم بمزيد من العطف والمعاملة والرحمة،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ،قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللهِ e جَيْشًا،اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ،أَوِ اسْتُشْهِدَ،فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ،فَإِنْ قُتِلَ،أَوِ اسْتُشْهِدَ،فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ،فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ e،فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،وَقَالَ:إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ،وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ،فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،أَوِ اسْتُشْهِدَ،ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،أَوِ اسْتُشْهِدَ،ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ،فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،أَوِ اسْتُشْهِدَ،ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ،ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ،ثَلاثًا،أَنْ يَأْتِيَهُمْ،ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ:لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ:فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ،فَقَالَ:ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ،فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا،ثُمَّ قَالَ:أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ،وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا،فَقَالَ:اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ،وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ،قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ،قَالَ:فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا،وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ،فَقَالَ:الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ[7].
وكذلك يجب على الدولة أن ترعى اللقيط،وتقوم على أمره وكفالته في حين وجوده والعثور عليه،فعَنْ سُنَيْنٍ أَبِى جَمِيلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ yفَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ yفَقَالَ:مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِه النَّسَمَةِ.فَقَالَ:وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ لَهُ عَرِيفِى:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ:أَكَذَلِكَ؟ قَالَ:نَعَمْ.قَالَ عُمَرُ:اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلاَؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.[8]
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،حَدَّثَنِي أَبُو جَمِيلَةَ،أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ e،فَأَتَاهُ بِهِ،فَاتَّهَمَهُ بِهِ عُمَرُ،فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا،فَقَالَ عُمَرُ:"فَهُوَ حُرٌّ،وَوَلاؤُهُ لَكَ،وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ".[9]
وبهذه المعاملة الحسنة التي ينهجها الإسلام في معاملة كل من اللقيط واليتيم يكون قد قدّم للمجتمع الإسلامي مواطنين صالحين ينهضون بواجباتهم،ويضطلعون بمسؤولياتهم،فلا يشعرون بنقص،ولا يتيهون في لجة الهواجس والأفكار والتصورات المنحرفة..
[1] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5965)
[2] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 6076)
[3] - صحيح البخارى- المكنز - (5304) وصحيح ابن حبان - (2 / 207) (460)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ y:قَوْلُهُ r هَكَذَا أَرَادَ بِهِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ،لاَ أَنَّ كَافِلَ الْيَتِيمِ تَكُونُ مَرْتَبَتُهُ مَعَ مَرْتَبَةِ رَسُولِ اللهِ r،فِي الْجَنَّةِ وَاحِدَةً.
[4] - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (639) حسن لغيره
[5] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 392)(22153) 22505- حسن لغيره
[6] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 554)(9666) 9664-  صحيح
[7] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545)(1750) صحيح
[8] - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (6 / 201)(12494) صحيح
[9] - المعجم الكبير للطبراني - (6 / 216) (6380) صحيح

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال