أما عامل المفاضلة بين الأولاد فهو كذلك من أعظم العوامل في انحراف الولد النفسي سواء أكانت المفاضلة في العطاء أم في المعاملة أم في المحبة؟..
وهذه الظاهرة لها أسوأ النتائج في انحرافات الولد السلوكية والنفسية..لأنها تولد الحسد والكراهية،وتسبّب الخوف والحياء،والانطواء والبكاء..وتورث حب الاعتداء والمشاجرة والعصيان..وتؤدي إلى المخاوف الليلية،والإصابات العصبية،ومركبات الشعور بالنقص..
وكم كان المربي الأول e حكيماً،ومربيّاً اجتماعياً عظيماً حين أمر الآباء أن يتقوا الله ويعدلوا بين أولادهم؟!.
عَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ e:رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ.[1]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ e،قَالَ:سَوُّوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ. [2]
وعَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ النُّعْمَانَ،عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ e:" سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ،كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ "[3]
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - e - فَقَالَ إِنِّى نَحَلْتُ ابْنِى هَذَا غُلاَمًا .فَقَالَ « أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ » .قَالَ لاَ .قَالَ « فَارْجِعْهُ »[4] .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَىَّ أَبِى بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّى عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -e-.فَانْطَلَقَ أَبِى إِلَى النَّبِىِّ -e- لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -e- « أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ».قَالَ لاَ.قَالَ « اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلاَدِكُمْ ».فَرَجَعَ أَبِى فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.[5]
وعَنِ الشَّعْبِىِّ حَدَّثَنِى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لاِبْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -e- عَلَى مَا وَهَبْتَ لاِبْنِى.
فَأَخَذَ أَبِى بِيَدِى وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -e- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الذي وَهَبْتُ لاِبْنِهَا.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -e- « يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ».قَالَ نَعَمْ.فَقَالَ « أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ».قَالَ لاَ.قَالَ « فَلاَ تُشْهِدْنِى إِذًا فَإِنِّى لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ »[6].
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ e رَجُلٌ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ قَالَ:" فَهَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا"[7]
فيؤخذ من هذه التوجيهات النبوية الكريمة مبدأ تحقيق العدل،والمساواة والمحبة..فيما بين الأولاد..دون أن يكون لعنصر التفريق أو التمييز مكان بينهم.
نعم! ..قد يكون لعدم محبة الطفل،والعناية به أسباب ظاهرة:
كأن يكون الطفل من الجنس غير المرغوب فيه جهلاً لكونه أنثى.
أو يكون قليل الحظ من الجمال أو الذكاء.
أو يكون مصاباً بعاهات جسمية ظاهرة.أو ..أو ...
ولكن كل هذه الأسباب الخَلْقية والخُلقية لا تعد مبررات – في نظر الشرع لكراهية الولد،وتفضيل إخوته عليه.
وكم يكون الأبوان ظالمين وجائرين حينما ينهجان مع الولد هذا النهج السيئ،ويعاملانه هذه المعاملة القاسية؟
ما ذنب الطفل إن ولد في الحياة وهو أنثى؟
وما جريمته إن كان دميم الوجه؟
وما جريرته إن لم يخلق على ذكاء فارط؟
وما الذي جناه إن كان بطبعه كثير الحركة والتنقل والمشاغبة؟
وما مسؤوليته إذا قُدِّر له – وهو صغير – أن يصاب بعاهات جسدية ظاهرة؟
فإذا كان المربون حريصين على سلامة أبنائهم من العقد النفسية،ومركبات الشعور بالنقص،وآفات القلوب من حقد وحسد وفساد طوّية..فليس أمامهم من سبيل سوى أن ينفذوا أمر الرسول e القائل:" اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلاَدِكُمْ "،وأن يرضوا بما قسمه الله لهم من معطيات البنين أو البنات..وعليهم كذلك أن يسعوا جهدهم في إشعار أولادهم جميعاً روح المحبة والأخوة والتسامح والمساواة..حتى ينعموا في ظلال العدل الشامل،والنظرة الرحيمة،والعطف الصادق،والمعاملة العادلة..
[1] - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 357)(25924) وآداب الصحبة لأبي عبد الرحمن السلمي - (90) والجامع لابن وهب - (137) حسن لغيره
البر:اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
[2] - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 48) (11828 ) حسن
[3] - شرح مشكل الآثار - (13 / 72) (5073 ) صحيح
[4] - صحيح البخارى- المكنز - (2586 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4262 )
نحلت:أعطيت
[5] - صحيح مسلم- المكنز - (4267 )
[6] - صحيح مسلم- المكنز - (4269 )
[7] - شرح معاني الآثار - (4 / 89) (5847 ) صحيح
التسميات
تربية الطفل