لم يطل رئيس السلطة الفلسطينية الغياب عن لبنان، فبعد زيارة له في آب/أغسطس الفائت للقاء القيادات الفلسطينية، عاد عباس في زيارة لبيروت قيل أنها تتعلق بالنقاش حول مصير 300 ألف فلسطيني يعيشون في لبنان كلاجئين محرومين من حقوق عدة، في حين تسربت معلومات إن الرئيس الفلسطيني يحمل في جعبته طرحاً قد يثير الكثير من الجدال داخل الأوساط الفلسطينية، ويتعلق بمنح اللاجئين جوازات سفر لتسهيل سفرهم وتنقلاتهم، في حين يعتبر الكثير من الافرقاء الفلسطينيون في لبنان أن هذه الجوازات تشكل وسيلة لطمس حقهم في العودة إلى أرضهم، خصوصاً أن هذه الجوازات لا تسمح لهم بزيارة القدس وقطاع غزة والضفة الغربية.
"اورينت برس" أعدت التقرير التالي عن الزيارة:
لا شك أن زيارة الرئيس محمود عباس للبنان تأتي في ظل توقيت حساس وبعدما تعثرت محاولات إحياء مفاوضات السلام بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، ووسط تحذيرات في لبنان من أي تسوية تأتي على حساب اللبنانيين.
وقبيل إعلان فحوى الزيارة للبنان تسربت معلومات عن أن أبا مازن سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين إمكانية منح اللاجئين الفلسطينيين جوازات سفر فلسطينية بعد الحصول على موافقة الحكومة في بيروت على ذلك.
من شأن هذه الخطوة، أن تحد من المشكلات التي تواجه الكثير من اللاجئين في لبنان الذين لا يملكون جنسيات، ولكنه في المقابل قد ينتهي إلى إغلاق الباب أمام هؤلاء اللاجئين للعودة إلى أراضيهم.
جوازات منقوصة
وكان قد تردد في الصحف "الاسرائيلية" في الآونة الأخيرة أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قد يحصلون قريباً على جوازات سفر من السلطة الفلسطينية. وقبل أسابيع عدة من زيارة عباس للبنان، بدأت التوقعات التي تقول إن السلطة الفلسطينية تخطط لإصدار جوازات سفر للاجئين الفلسطينيين في لبنان وأن محمود عباس سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين خططاً حول هذه المسألة.
وقدم الفلسطينيون إلى لبنان عام 1948، وكان عددهم آنذاك نحو 120 ألفا. ولكن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان اليوم يراوح عددهم بين 250 و350 ألفا، ومعظمهم لا يملكون جنسيات منذ "الحرب العربية – الإسرائيلية" في عام 1948، وبينما مُنح اللاجئون الفلسطينيون، الذين فروا إلى مخيمات في الأردن ومصر وسوريا خلال حرب عام 1948، الإقامة أو الجنسية في نهاية المطاف، ظل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بلا جنسية. ولكن بعض الأفرقاء في الحكومة اللبنانية الجديدة دعوا إلى إيجاد حل لمحنة اللاجئين في البلاد، كما برز الأمر خلال الحملات الانتخابية الأخيرة.
وقد سبق للسلطة الفلسطينية أن أصدرت عدداً محدوداً من جوازات السفر لأعضاء بارزين من اللاجئين الفلسطينيين، معظمهم من قيادات الفصائل. وفي حين تهدف خطة إصدار مئات الآلاف من جوازات السفر الفلسطينية للاجئين في لبنان إلى جعل السفر أسهل نوعاً ما بالنسبة إلى هؤلاء، فإن جوازات السفر هذه لا توفر للاجئين الحق في أن يأتوا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة أو القدس، ويتطلب التصريح بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها "اسرائيل" موافقة "اسرائيلية" مسبقة.!
بلا جنسية
في هذا الإطار، اعتبرت ليلى هلال، المستشارة القانونية للأمم المتحدة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" "أن العائق الأبرز أمام حرية حركة الفلسطينيين في لبنان هو افتقارهم إلى أي جنسية".
وقالت: "عندما هُجّر هؤلاء الفلسطينيون من أراضيهم في عام 1948، تبنت "إسرائيل" في وقت لاحق قانوناً يُجرّدهم من الجنسية، لذا فإنهم بلا جنسية، وهم يعيشون في لبنان منذ أن هُجّروا من دون جنسية أو جواز سفر معترف به دوليا"، موضحة أنه "يمكن للدول أن تعطي وثائق سفر خاصة للاجئين، كما هو الحال في لبنان، ولكن هذه الوثائق ليست مثل جوازات السفر المتعارف عليها، إنها وثائق تصدر خصيصاً ولمهلة محددة، أي أنهم يحتاجون إلى تصريح خاص في كل مرة يريدون فيها السفر".
بالإضافة إلى المخاوف المحلية من منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين ومن كيفية تأثير ذلك في التوازن الطائفي الهش في لبنان، لفتت هلال إلى "أن المجتمع اللبناني لم يقترب ولو قليلاً من قبول اللاجئين الفلسطينيين في صفوفه"، مضيفة أن "اللبنانيين بعيدون جداً عن إعطاء الجنسية للفلسطينيين، وان هذا لن يتغير بين عشية وضحاها".
ورأت "أن هناك حاجة إلى نوع من الحوار الداخلي لتحريك الرأي العام اللبناني لاحتواء الفلسطينيين في هذا البلد"، مشددة على "أن جوازات السفر التي ستُمنح من قبل السلطة الفلسطينية لن تكون بمثابة جنسيات، بل هي مجرد وثيقة سفر أكثر قوة"، لتضيف: "إذا حصل اللاجئون الفلسطينيون على جوازات سفر من السلطة الفلسطينية فلن يحتاجوا إلى إذن خاص في كل مرة يرغبون فيها في السفر، ولكن ليس واضحاً بالنسبة إليّ إذا ما كان اللاجئون الفلسطينيون سيوافقون على الحصول على جوازات سفر من السلطة الفلسطينية".
وتابعت: "بعض الفلسطينيين سيعتبرون ذلك بمثابة التخلي عن حقهم في العودة إلى بلادهم، من وجهة نظرهم، فإن ذلك سيعني الاعتراف بدولة فلسطينية تضم فقط الضفة الغربية وقطاع غزة".
ويحمل لاجئو 1948 والمنحدرون منهم وثيقة "لاجئ" تصدرها السلطات اللبنانية، إلا أن الذين قدموا في السبعينيات بعد ما يعرف بـ "أيلول الأسود" في الأردن ومن قطاع غزة عندما كان لا يزال تابعا للإشراف المصري، لا يملكون أي وثيقة تعرفهم، وكذلك أبناؤهم من بعدهم، وهذا ما يجعل حياتهم صعبة وتنقلهم حتى داخل لبنان شبه مستحيل.
من جهته، يقول علي هويدي، مدير المنظمة الفلسطينية لحق العودة، وهي منظمة تعنى بتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، "إن اللاجئين الفلسطينيين لم يحسموا أمرهم بعد حول اقتراح منحهم جواز السفر الفلسطيني".
وأضاف: "إننا بحاجة إلى معرفة المزيد حول ما يعنيه الرئيس عباس من ذلك، إذا كانت جوازات السفر بهدف المساعدة على تكريس حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين، فبالطبع سوف تحصل على دعم جميع الفصائل الفلسطينية، ولكن إذا كانت لتسهيل رفض حق العودة، فإننا سنرفض ذلك".
وأكد هويدي "أن معظم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يرفضون التوطين"، مضيفاً: "نحن ضد الحصول على الجنسية اللبنانية، فإذا أعطيت الجنسية لجميع اللاجئين فسيعني ذلك رفض حقنا في العودة".
وقال: "ما نريده هو أن نعامل كما يعامل اللاجئون الفلسطينيون في بلاد عربية أخرى، وأن نحصل على المزيد من الحقوق المدنية كدخول المستشفيات، والتعليم، والخدمات الاجتماعية، والإغاثة، والقدرة على تسجيل المنظمات الفلسطينية".
أما عرفات ماضي، مدير مركز العودة الفلسطيني، فرأى "إن إعطاء جواز سفر إلى أي فلسطيني، سواء كان في مصر أو الأردن أو سوريا أو لبنان، يعني انك تحل مشكلة حرية التنقل، ولكنك تفعل ذلك من خلال إلغاء حقه في العودة إلى أرضه التي دمرتها اسرائيل، وأي فلسطيني سيرفض ذلك".
بدوره، رأى عضو "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" سهيل الناطور أن "التوطين مجرد ورقة تستخدم في السياسة اللبنانية لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم"، مؤكدا أن "الفلسطيني قبل اللبناني يرفض التوطين ويتمسك بحق العودة المنصوص عليه في القرار الدولي رقم 194".
فزاعة التوطين
ويتوقف الناطور وهو مدير مركز التنمية الإنسانية المتخصص في موضوع حقوق اللاجئين الفلسطينيين، عند "عدم وجود حماية قانونية للمخيمات التي لا يدخلها لبنان الرسمي وانعدام الحقوق المدنية لسكانها والكمية الهائلة للمشاكل الإنسانية".
ويقيم اللاجئون الفلسطينيون بمعظمهم في 12 مخيماً و27 تجمعاً لا يدخلها الجيش ولا سلطة للدولة اللبنانية فيها. وتعاني المخيمات ظروفا اجتماعية وإنسانية مزرية وتفتقر إلى الخدمات الأساسية والبنى التحتية، وبعضها - مثل مخيم عين الحلوة في الجنوب - مدجج بالسلاح ويؤوي عشرات المنظمات الأصولية ويشكل ملجأ للخارجين عن القانون.
والفلسطينيون في لبنان ممنوعون من التملك ومن العمل ماعدا في بعض القطاعات الحرفية التي رفع الحظر عنها أخيرا، وهم يعتمدون بشكل واسع على مساعدات "الأونروا" التي تتراجع موازنتها سنة بعد سنة.
أما عضو المجلس الوطني الفلسطيني صلاح الدين هواري فأعلن أن موضوع "منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان جوازات سفر أمر يحتاج، في حال الموافقة عليه، إلى دراسة دقيقة، نظراً إلى ما قد ينتج عنه من آثار سلبية على حقوقهم في العودة وتقرير المصير"، معتبراً أن "حق العودة وفق مفهومنا هو أن يعود كل فلسطيني في الشتات إلى أرضه ومنزله".
في موازاة ذلك، أعلن "تحالف القوى الفلسطينية" رفضه المشروع، ورآه إسهاماً في "تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى جالية في الدول المضيفة"، وأنه "أمر خطير، الهدف منه إنهاء قضية اللاجئين كقضية سياسية عادلة، وشطب حق العودة، وفتح الطريق أمام مشاريع التوطين والتهجير، وإعفاء العدو الاسرائيلي من مسؤوليته عن نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948".
التسميات
عرب