اوباما والعالم الاسلامي وللتقارب والتعارف والانفتاح على الشعوب.. السياسة الأمريكية ليست سياسة فردية تتغير بتغير هذا الفرد أو ذاك وإنما هي صناعة المطبخ الأمريكي

تلقى العالم بأسره انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما بالترحيب والتفاؤل، وصورت وسائل الإعلام في العالم فوزه بالتغيير المنشود الذي تنتظره البشرية، بل وتسعى لتحقيقه، ورأينا التحليـــلات السياسية تأخذ هذا المنحى ولسان حالها يقـــــول بأنه آن أوان التغيــــير وأن الوجه القديم لجورج بوش الابن انتهى إلى غير رجعة، أو دفن تحت أقدام أوباما بعدما توج بالرئاسة الأمريكية، هكذا صُور للعالم والنٌاس بأن السياسة الأمريكية تختلف من شخص لآخر وأن وجه بوش الابن الأبيض يختلف عن نظيره الأسود، وأن هناك رجل حرب ورجل سلام، رجلا أنكر وتجاهل المعايير الإنسانية والصلات البشرية ورجلا يدعو للتقارب والتعارف والانفتاح على الشعوب. 
إلا أن الحقيقة الواقعية تعيد للأذهان الوجه القديم لجورج بوش الإبن وجه المآسي والحروب والتشرد والقتل، بل وجه الاستعلاء واستخدام القوة المفرطة في تغيير الحدث، وجه الوعود الكاذبة والمخادعات السياسية والإعلامية والخطابات المصطنعة، وجها أنكره العالم ومجٌه، بعد أن بانت عوراته وسقط قناع حسنه المزعوم وكشف أنيابه ليظهر بصورته الحقيقية، صورة مصاص الدماء وصورة السيد المتسلط والديكتاتور الذي يدعي الحرية والديمقراطية، فالأحداث المتسارعة بشكل كبير وسرعة كبيرة فاقت توقعات صانعي الحدث فعجلت في انكشاف وزيف هذا الوجه للعالم، فمن غزو أفغانستان والعراق ومرورا بالقضية الفلسطينية الشائكة وانتهاء بأي أزمة عالمية تمر وتلقي بظلالها على المسرح الدولي، إلا وقد تركت أثرا واضحا وعلامة بارزة في انكشاف وتساقط هذا الوجه المستعار، فالتأييد المطلق والصريح لإسرائيل والتأكيد دائما على الإلتزام بأمنها وإعطاء الضوء الأخضر لها بارتكاب المجازر والقرصنة كيف تشاء وجعلها خارج ما يسمى بالقانون الدولي ما هو إلا نفس السياسية القديمة الأمريكية لبوش الابن وغيره، بل واستمرار مسلسل القتل في العراق وقتل مئات الآلاف وتشريدهم وتهجيرهم ونهب خيراتهم وخيرات الأمة ما هو إلا حلقة جديدة من سلسلة الحلقات القديمة في السياسية الأمريكية، بل لقد أجج أوباما الصراع في أفغانستان فزاد عدد قواته هناك وقتل من قتل من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا وزاد من وحشيته باستمرار الهجمات على وزيرستان الباكستانية بإيقاع أشد وأخطر وهدم البيوت على أهلها من دون اكتراث أو مبالاة، ما هو إلا تأكيد لاستمرار هذه السياسة البشعة التي تقوم على النفعية والدموية وتتغذى على نهب خيرات الأمم والشعوب. 
فكان على واضعي السياسية الأمريكية أن يهرولوا لتحسين وتجميل هذا الوجه أو استبداله بوجه آخر يعيد للعالم صدق سياستها وادعاء حريتها وهيبتها المزعومة.
إلا أن وجه أوباما الأسود سرعان ما اكتشف أنه طلاء وجه بوش، هذا الطلاء الذي لم يصمد كثيرا أمام أول موجة بحرية صدمته أو أمام أزمة عالمية صادفته فبدأ بالانكشاف والتساقط قليلا فقليلا حتى ظهر الوجه القديم الذي تعرفه البشرية ولم يغب عن ذاكرتها ومخيلتها.
فالسياسة الأمريكية ليست سياسة فردية تتغير بتغير هذا الفرد أو ذاك وإنما هي صناعة المطبخ الأمريكي، فأفكار صانع السياسة الأمريكية لم تتغير ولكن تغير وجه منفذ هذه السياسة، فأوباما وبوش وجهان لعملة واحدة، عملة واضعي السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، وهي سياسة قائمة على المصلحة والنفعية بالدرجة الأولى لأنها سياسة رأسمالية ولا تعرف العدل والمساواة وحريات الإنسان واحترام الذات البشرية كما يتغنون بذلك، فكم من حقوق وحريات الانسان اخترقت واستبيحت تحت المجهر الامريكي بحجة محاربة الارهاب او المصلحة العامة والتطرف والاصولية.
فهذه الحقوق والحريات ما هي الا شعارات يرفعونها ويطبقونها في واقع اللاوجود، واقع لا يعيشه الإنسان، بل واقع تجميل وتحسين الفكر الغربي امام العالم.
فلا يعقل ان تغير السياسة الدولية او السياسة الامريكية في صالح الأمة والمسلمين لأنها سياسة استعمارية ترفع الصليب في حربها وتحمل حقدا دفينا في جوفها، فأولوياتها التنصير وإن لم تصرح بذلك لسلب الناس قيمهم وحضارتهم وتشتيت أوصالهم ونهب اراضيهم، وما قضية التنصير الناشطة إلى اليوم في افغانستان الا دليل واضح على هدف هذه السياسة ومؤشر بأن التصادم ما هو إلا عقائدي بالدرجة الاولى.
فالكيان بحاجة الى كيان مثله ذا وزن وتأثير في الساحة الدولية، فالعلاقة بين الدول تأخذ منحى المصلحة والضرر والتحالفات السياسية وما يترتب عليها من قرار وتأثير في صنع الحدث، فإما ان تسير بفلك صانع القرار وتشاركه او ترضخ له وتنفذ سياسته او تتصادم معه فتكون الغلبة للكيان ذي الوزن الاقوى في السياسة الدولية، إلا ان القرارات الثلاثة قرارات صعبة يتخذها صاحب القرار في الكيان الاخر بعد دراسة عميقة ومستفيضة لما ستفرضه عليه من نتائج وعقبات تحدث التوازنات الدولية وتتأرجح بتأرجح المصلحة والضرر بين هذه العلاقات.
فواضع السياسة لا ينظر للدول الضعيفة والهزيلة التي لا تملك قرارها ومكونات عيشها إلا بمنظار القوة و سياسة الإملاء لتنفيذ هذة السياسة والسير في خطى الدول الكبرى والتزام القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات فتكون محط انظار الدولة الطامعة المسيطرة وسوقا مستهلكا لكل ما هو مفيد وضار، وإلا فرض عليها عقوبات صارمة ترغمها على السير والعدول الى نفس الطريق والمنحى، وهذا حال كل البلاد الأسلامية او ما تسمي نفسها دولا ذات سيادة.
فالتأثير في القرار الدولي وصنعه لا يتم لهذه الامة الاسلامية إلا بوجود دولة واحدة وقائد مخلص ينتمي لهذه الامة يسير علاقتها حسب المبدأ الذي تحمله ليكون مبدأ عالميا فعالا، مبدأ يضفي الأمن والاستقرار في العالم.
وهذا لا يتم ما دامت الامة مقسمة الى كيانات تسمى دولا فرقت وحدتها وقزمت من وجودها وتأثيرها في المنطقة، فلابد من كيان واحد يجمع المسلمين ويصهرهم في بوتقة الوحدة ويقود النظام الإسلامي الرباني للعالم كافة فتنتهي سياسات الطمع والدجل والغطرسة وحب إشباع الشهوة والمادية، فيستقر العالم ويهنأ بالأمان لأنها سياسة ربانية عادلة لا تعرف الظلم والمغالاة بين الشعوب.
فالأمة بمقدراتها وطاقاتها ومساحتها وبكل ما تملكه من إمكانيات هي الكيان المرتقب والقادرعلى تغيير الحدث وصنع القرار الدولي، فهي قادرة على أن تجمع شتاتها من جديد لتعود كما كانت قوية واحدة، فإذا كان الغرب باختلاف أجناسه وألوانه واطيافه وعملاته ولغاته قد توحد في كيان أوروبي واحد! فما بال الأمة ذات العقيدة واللغة والرسالة والنبي الواحد متفرقة؟!
فالصحوة الإسلامية والأحداث المتسارعة في العالم ما هي إلا إرهاصات ومؤشرات على اقتراب ولادة هذا الكيان بعد مخاض عسير وتضحيات جسيمة، فالأمة الآن أقرب ما تكون إلى هذا اليوم الموعود وسيظهر الله هذا الدين ويدخله كل بيت بعز عزيز أو ذل ذليل ويرونه بعيدا ونراه قريبا ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
د. علاء شماسنة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال