البيوت بأهلها وبسكانها،لا بجدرانها وبنائها، فإذا كان أهلها أخياراً كانت بيوتا مملوءة نورا، وإذا كان أهلها أشرارا فُجّارا كانت بيوتا مملوءة ظلمة، وأهل البيت المسلم لهم مواصفات ولعل من أهم مواصفاتهم ما يلي:
الصفة الأولى : أنهم صالحون مؤمنون مصلون.
وهم مؤمنون بربهم ، مؤمنون بوعده ووعيده، يرجون رحمته ويخافون عذابه، وهم يحافظون على الصلوات، لا يؤخرونها عن أوقاتها وليسوا عنها بالساهين ،لأن الله تعالى قال: (( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)) (الماعون:4-5).
قال أهل العلم: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها فتوعدهم الله- عز وجل- بهذا الوعيد الشديد، وهم أيضا مؤدون لحقوق الله وحقوق عباده، وهم مؤدون لكل حقوق ربهم من صلاة وصيام وزكاة وحج، وبر بالوالدين وصلة للأرحام ، وإحسان للجيران ، وأخلاق فاضلة ومن آداب رفيعة، كما أنهم أيضا مؤدون لحقوق العباد، فهم يؤدون حق الخالق ويحسنون أيضا للمخلوق، هم لا يظلمون غيرهم ولا يشتمون غيرهم ولا يؤذون غيرهم، ويخشون قول الله تبارك وتعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَااكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب:58).
الصفة الثانية : أنهم حافظون لجوارحهم، حافظون لألسنتهم، يحفظون ألسنتهم من كل محرم، واللسان أمره خطير. يقول الله تبارك وتعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:1-3) .
ويقول تعالى عن صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (72) سورة الفرقان.
فهم أقوام حفظوا ألسنتهم من كل لغو وباطل ، ومن كل زور وكذب ، كيف لا وهم يعلمون أن النبي r قد قال لمعاذ: « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ »[1].
الصفة الثالثة : أنهم حافظون لفروجهم، لأن الله جل وعلا قد أمرهم بذلك فقال:{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) } [النور/30، 31].
وقد وصفهم ربهم تبارك وتعالى بذلك فقال: في سورة المؤمنون:{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) } [المؤمنون/5-7].
وقد قال r كما في الحديث الصحيح هذا هو مراد إبليس فعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - قَالَ - فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ». قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ : « فَيَلْتَزِمُهُ »[2].
إن إبليس يحرص على هدم الأسرة المسلمة، لأن إبليس يعلم أن في هدم الأسرة المسلمة شرا عظيما وبلاء مستطيرا ولذلك يحرص كل الحرص على أن يوقع الشقاق بين الرجل وأهله، و بين الأخ وأخيه، وبين أهل البيت أجمعين.
كما أن من صفات أهل البيت المسلم أنهم يتعاونون على طاعة الله جل وعلا ، امتثالا لأمر ربهم سبحانه في قوله تبارك وتعالى: {وتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة : 2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ص : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا ، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ..[3]
هذا هو التعاون على الطاعة ووالله إنها من أعظم النعم أن يكون في بيتك من يعينك على طاعة الله في بيتك، وهذا هو ما يدعوا به عباد الرحمن كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } (الفرقان : 74) .
إن قرة الأعين من الأزواج والأولاد هم الذين يكونون عونا لك على الطاعة، أما الذين يكونون سببا لوقوعك في المعصية فهم يكونون ابتلاء وامتحاناً نسأل الله العافية.
الصفة الرابعة : أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر امتثالا لأمر ربهم جل وعلا في قوله تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران: 104) .
البيت المسلم أهله يحملون رسالة الإسلام، يعيشون لهذه الرسالة، وتحترق قلوبهم لأجلها، تشتعل جذوة الإيمان وجذوة الخير في القلوب فتنير قلوبهم وبيوتهم ، وتنير على مجتمعهم أيضا، وهم يدعون إلى الله على بصيرة، امتثالا لأمر ربهم { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (آل عمران:104).
فالدعوة إلى الله مهمة المجتمع المسلم وهي طريقة أتباع رسول الله ص: { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } (يوسف : 108) .
الصفة الخامسة : أنهم يبنون علاقاتهم مع غيرهم على شرع الله ومنهجه.
إنهم يوالون ويعادون على منهج واضح ،إنهم يوالون أولياء الله ولو كانوا من أبعد الناس ويعادون أعداء الله، ولو كانوا من أقرب الناس، إنهم لا يوالون لعصبية أو جاهلية، هم يحبون أهل الطاعة وأهل المعتقد الصحيح، وهم يبغضون أهل الإشراك وأهل الفكر المنحرف وأهل الأهواء المضلة، ولو كانوا أقاربهم، لأنهم قد فقهوا عن الله ورسوله، إنهم سمعوا من الله فقبلوا وعملوا، سمعوا الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} (144) سورة النساء.
وسمعوا الله يقول: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22) سورة المجادلة.
إن مما يفتقده الكثير من المسلمين اليوم أن تجد من الأولاد من يعصي الله ورسوله ، ويجاهر بالمعصية بترك الصلاة أو بنحو ذلك، ومع ذلك لا يتبرءون منهم، ومع ذلك لا تتمعر وجوههم غضبا لله، ومع ذلك ربما يعادون من يأمر أولادهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهذه إحدى المصائب فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الصفة السادسة : إن من صفات أهل البيت المسلم ؛ بل ومن مميزاتهم التي يتميزون بها عن غيرهم أن الله وفقهم بأن يعتنوا بأولادهم عناية تامة.
إنهم يعلمون أن دينهم الإسلام قد اعتنى بإنشاء الأسرة الصالحة، لأن الأسرة الصالحة لبنة في بناء المجتمع ، والمجتمع يتكون من أسر فإذا كانت الأسرة صالحة كان المجتمع صالحا، وإذا كان المجتمع صالحا فقد أفلحت الأمة ، إنهم يعلمون فائدة صلاح الأبناء في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالبر وبالعون على الطاعة وفي الآخرة أن يستغفروا لهم ويدعوا لهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.[4]
يعلمونهم منذ أن يبدؤوا بالكلام يعلمونهم ذكر الله جل وعلا ويعلمونهم التوحيد ، فعندما يبدأ الولد ذكرا كان أو أنثى ، وكلمة الولد في اللغة على الذكر والأنثى، بعكس ما هو متعارف عليه عندنا، ففي لهجتنا أن الولد يطلق فقط على الذكر بينما في لغة القرآن أن الولد يطلق على الذكر والأنثى.
أقول : إنهم يعلمون أولادهم منذ أن يبدؤوا بالكلام كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، يعلمونهم التسبيح، يعلمونهم التكبير. أرأيت الفرق بين طفل حين يقابلك تسمع منه كلمة لا إله إلا الله وبين طفل تسمع منه كلمات بذيئة.. فرق عظيم.
[1] - سنن الترمذى (2825 ) صحيح لغيره
[2] - صحيح مسلم (7284)
[3] - صحيح ابن حبان - (ج 6 / ص 306)(2567) صحيح
[4] - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 286)(3016) صحيح
التسميات
بيت