الصدام بين الولايات المتحدة والعالم العربي الإسلامي.. مجابهة لا معقولة بين قيم يتعذر إثباتها بالتحديد

لقد أضحت الولايات المتحدة، متعصبة أكثر فأكثر، بشأن تنوع العالم، وتطابق هذا التعصب تلقائياً، في المواقف تجاه العالم العربي، ليكون خصماً، وحتى عدواً، في ذهن اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، والعَقَبَةُ هنا، هي من النوع الحشوي البدائي، وعلم الأجناس البشرية، ويشير كل ذلك، إلى خلفية المعارضة الدينية، بشكل جيد، المستخدمة من قبل هانتنغتون، من أجل تأسيس أو إقامة، عالم إسلامي، خارج عن الفلك الغربي، فبالنسبة إلى عالم الأجناس البشرية، المعتاد على العمل في مجال الآداب والأخلاق، يرى أن الأنظمة الأنجلو- ساكسونية، متعارضة مع الأنظمة العربية بصورة مطلقة.
فالعائلة الأمريكية، هي عائلة "فردانية"، تضمن للمرأة موقعاً خاصاً. أما العائلة العربية، فهي صُلْبيَّة النسب (PATRILINAIRE) ومكان المرأة، في حالة اعتماد كلي، والزواج، بين أولاد العم محظور عملياً في العالم الأنجلو-ساكسوني، وتفضيلي، أو مفضل في العالم العربي. لقد أصبحت النزعة النسوية (FEMINISME)، متعلقة بالعقيدة (DOGMATIQUE)، أكثر فأكثر، خلال السنين، وأكثر عدوانية، وينخفض التساهل أو التسامح، في التنوع الفعال في العالم دون انقطاع ومبرمجاً بطريقة معينة، من أجل الدخول بنزاع مع العالم العربي، أو أكثر عمومية، مع الجزء من العالم الإسلامي، حيث تشبه فيه البنيانات العائلية، تلك التي في العالم العربي، وهذا ما يمكن تسميته هنا، بالعالم العربي- الإسلامي، ويتضمن مثل هذا التحديد، الباكستان وإيران، وجزئياً تركيا، لكن ليس إندنوسيا وماليزيا والشعوب التي تنضم إلى الإسلام، أما الواجهة الإفريقية على المحيط الهندي فوضع المرأة فيه مرتفع.
إذن، يتعلق موضوع المعارضة أو الصدام، بين الولايات المتحدة، والعالم العربي- الإسلامي، بأنه يمثل المظهر البشع أو الكريه لنزاع يتعلق بعلم الأجناس البشرية (ANTHROPOLIGIQUE)، مجابهة لا معقولة بين قيم يتعذر إثباتها بالتحديد، ويوجد بعض القلق من أن تُرى مثل هذه السمات، على أنها عامل بناء في العلاقات الدولية، وقد احتل هذا النزاع الثقافي جانباً مضحكاً، منذ الـ (11) من أيلول عام (2001)، فهو جديد، مسرحي، من نوع كوميدي، جاد ومُعَوْلَم، ففي الولايات المتحدة يعتبر ابن لادن، إرهابياً، متعدد الزوجات، مع عدد لا يحصى من الإخوة والأخوات، من أمهات متعددات، فنحن هنا، أمام عالم، على شكل رسم كاريكاتوري، لكنه عالم اختفى وانقضى. لكن في نظر الكثيرين، فإن العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى مستشارين من الولايات المتحدة من أجل التطور على المستوى الأخلاقي.
ويفترض انخفاض أو هبوط الإخصاب، الذي أصبح يميز الجزء الرئيس من العالم الإسلامي، نسبياً، يفترض تحسيناً في وضع المرأة، هذا بدوره، يقتضي أولاً، إعلاء شأن تعليم الأميين. ثم بعد ذلك، فإن بلداً مثل إيران، تبلغ الخصوبة فيه (2.1) طفل لكل امرأة، يعني أنه يجب أن يتضمن هذا العدد ولداً ذكراً على الأقل، حسبما تعتقد معظم العائلات، وذلك من واقع عدم الانقطاع مع التقليد المرتبط بصفة الانتساب إلى الأب (PATRIUNEAIRE)(5).
أظهرت الحرب في أفغانستان، خطاباً لحرب ثقافية، يتعلق بوضع المرأة الأفغانية، واستخدمت طائرات الـ (52- B) القاذفة الجبارة الأمريكية، صنعاً وتسليحاً واستخداماً، لقتل من يعادي النزعة النسوية الأنجلو- ساكسونية. إن مثل هذه المطالب تستحق حقاً الهزء والسخرية، فهل يستحق الأمر القيام بعمليات بطيئة، كالحروب التي تشن، كما حدث في أفغانستان، ثم العراق، ثم... وبطرق حديثة وعصرية وعمياء لأنها لا تأخذ بالحضارة الغربية ذات النزعة النسوية، ولأنها تسبغ نبلاً عبثياً للأخلاق الذكورية الفائقة للمحاربين الأفغان، عن طريق رد الفعل أو الصدمة المعاكسة؟
ويتبين الآن، أن النزاع بين العالم الأنجلو- ساكسوني، والعالم العربي- الإسلامي، قد أصبح عميقاً. والأسوأ أيضاً، أن تدعي السيدة بوش، والسيدة بلير، أنهما تهتمان، كثيراً بالمرأة الأفغانية، على الرغم من قتل الأزواج والإخوة والأبناء أو أخذهم إلى معتقلات غوانتا نامو في كوبا، ومحاكمتهم كمجرمي حرب، لا كأسرى، ومن المؤسف أن يدعم الإنسان الاجتماعي والثقافي الأنجلو- ساكسوني، ظهور بعض علامات عدم الانحلال أو الانحطاط الجسدي، فهناك جهد قام به كل من إيفان –بريتشا(EVANS- PRITCHARD).
أو ماير فورتس (MAYER FORTES)، لفهم ما يمكن أن يحدث، في حال التخلي عن الهيمنة الذكورية، في المجال العائلي، عن طريق استطلاع للرأي، شمل عدداً قليلاً من الناس، بصورة عشوائية، في غينيا الجديدة، حيث تسود فيها صفة نظام البنوة الذي يقوم على الاعتراف بخط النسب الأموي، (MATRILINEAIRE)، وكما هو الحال، في ساحل العاج، وتانزانيا، وموزامبيق، حيث فيها الغالبية من المسلمين، لكن، كيف يتسنى الانتظار لمشاهدة نقاوة النفس، من جانب الحكومات والجيوش، إذا جرى إقامة علم ما من أجل توزيع النقاط الحسنة والسيئة؟
إن الشمولية عمياء قليلاً، ولا ترى الخلاف بين الحضارات، وبين هذا النظام وذاك، وكانت الحرب "ضد الإرهاب"، على العكس، مناسبة للحكم القاطع، على نظام علم الأجناس البشرية، الأفغانية و"العربية" دون التذكير بالنظام الأناسي (ANTHROPOLOGIQUE)(6)، أي العلم الذي يبحث في أصل الجنس البشري، وأعراقه، وتطوره، وعاداته، ومعتقداته المختلفة.
إن ما يلاحظ هنا، ليس مجموعة من النوادر، أو القصص المضحكة، بل الشمولية، في العالم الأنجلو- ساكسوني، التي تحرِمُ الولايات المتحدة، من رؤية عادلة وصحيحة للعلاقات الدولية، تدفعها إلى معاملة الآخرين بلباقة- بعبارة أخرى، بطريقة فعالة، من وجهة نظر استراتيجية- كالعالم الإسلامي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال