كان اليوم الحادي عشر من شهر آب ما قبل الماضي يوما ملفتا للانتباه، إذ كان يوما جديرا بالاحترام. ففي ذلك اليوم، وفي سياق الاحتفال باليوم الطبي لمهرجان العراقة الرابع في بلدة صدد البعيدة في قلب الصحراء، أذكر أنني قرأت لافتة تطل على ساحة حيث كانت تدور وقائع المهرجان الفني وسط جمهور غفير من سكان البلدة وضيوفها، تحمل عبارة بالخط العريض: يوم صدد بلا تدخين.
وبطبيعة الحال كان لا بدّ لي أن أتساءل، كوني قد هجرت التدخين منذ ثلاثين عاما من دون رجعة أو ندم: لماذا يوم واحد فقط بلا تدخين لا أسبوع واحد أو شهر واحد أو سنة واحدة أو أكثر على سبيل المثال؟
وبطبيعة الحال أيضا كان لا بد من التنبّه إلى أن شبيبة هذه الأيام، بدأ أفرادها يلتمسون ما يسمونه "راحة أعصاب" بواسطة التدخين، لا بالسيجارة فقط بل أيضا صحبة النارجيلة سواء داخل في البيت أو في كافيتريا أو حتى على قارعة رصيف أحيانا.
ولا أعتقد أن ثمة أحدا من هؤلاء يستطيع البرهان، طبيا أو علميا، أن مثل هذه التصرفات لها علاقة حقا براحة الأعصاب أو عدمها، لا بكونها صارت لديه عادة مع مرور الوقت. ومن هنا يزداد المدخّن ارتباطا بسيجارته أو بنارجيلته.
والنصيحة تقول: نسأل مجربا ولا نسأل طبيبا.
إن عادة التدخين، شأنها شأن عادة تناول الطعام صباحا وظهرا ومساء، كما هو شأنها شأن الذهاب إلى الفراش في ساعة محددة، أو ممارسة الرياضة في ساعة معينة قبل أو بعيد شروق الشمس، وإلى ما هنالك من عادات مكتسبة في حياة كل واحد منّا على مدى الأيام.
قد نجد من يدعي أن التدخين يمارس على قاعدة "دخن عليها تنجلي"، ولكن لو أن هذه القاعدة ثبتت مصداقيتها، لوجدنا الناس كافة يلتمسون السيجارة والنارجيلة سبيلا لإجلاء أسباب المنغّصات عنهم، وهي أكثر من أن تحصى في زمن الحاجة إلى الاكتفاء.
ولأن الحجة غير موضوعية وغير مقنعة، علميا على أقل تقدير، تبقى مسألة الهروب من عالم التدخين، مسألة شخصية ترتبط بمدى قدرة صاحبها على التحكّم بإرادته، وبوعي لما يريد وما لا يريد فعلا لا قولا.
وإذ أتوقف عند هذه النقطة، أستذكر، في الوقت ذاته، وجوه المدخنين في تلك الليلة، كأن اللافتة وضعت لأخذ العلم فقط، لا لتقول شيئا لناشئتنا تعنيهم قبل غيرهم وهم في عمر الورد.
ولا أضيف معلومة جديدة هنا، بإشارتي إلى النتائج التي نشرت مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية، تقول بأن نسبة 85% من مواطنيها المدخنين يصابون سنويا بمرض السرطان، ولهذا طالبت أكثر من مؤسسة طبية بالحد من الترويج لأصناف السجائر باللجوء إلى الإعلانات المشوّقة وخصوصا تلك التي تجتذب أنظار الشباب من الجنسين باستخدامها صور النساء أو الرجال وهم في وضعية التدخين على نحو يقارب وضعيات ممارسة الجنس أحيانا ، فيما على الطرف الآخر صورة علبة سجائر أو سيجارة في الفم. أقول شكرا لا ليوم واحد فقط بل لأيام لا تحصى بلا تدخين بأمل أن نجعل أيامنا أياما خالية من كل داء مصدره عادة التدخين.
التسميات
تدخين
