الدعارة في الدنمارك:
الإطار القانوني الحالي للبغاء في الدنمارك:
في الدنمارك، يتبنى القانون مقاربة فريدة للبغاء، حيث يُعتبر البغاء نفسه (فعل بيع وشراء الخدمات الجنسية) قانونيًا ولا يُعاقب عليه. ولكن في المقابل، تُجرم كل الأنشطة المرتبطة بصناعة الجنس، ما يُعرف بـ "أنشطة الطرف الثالث". تشمل هذه الأنشطة:
- إدارة بيوت الدعارة أو المساعدة في إدارتها: أي شخص يدير أو يستفيد من عمل بيت دعارة يُعتبر مرتكبًا لجريمة.
- القوادة أو القوادة (pimping): الاستفادة المالية من دعارة شخص آخر.
- الدعارة القسرية أو الاستغلال: إجبار شخص على ممارسة البغاء ضد إرادته.
- دعارة القاصرين: يُجرم القانون بشكل صارم أي نشاط جنسي تجاري مع شخص يقل عمره عن 18 عامًا، مع عقوبات مشددة.
وقد تم تفعيل هذا الإطار القانوني في عام 1999، جزئيًا بهدف تسهيل مراقبة تجارة قانونية على عكس التجارة السرية. ولكن في الواقع، لم يؤدِ هذا التجريم الجزئي إلى القضاء على الأنشطة غير القانونية، بل استمرت جهود الحكومة والشرطة في مكافحة الاستغلال والاتجار بالبشر المرتبط بصناعة الجنس.
السياسات المتعلقة بالهجرة وصناعة الجنس:
تُعد الدنمارك صارمة جدًا فيما يتعلق بعمل المهاجرات غير الأوروبيات في صناعة الجنس. يُمنع على المهاجرات من خارج الاتحاد الأوروبي العمل في البغاء. إذا تبين أن مهاجرة من بلد غير أوروبي تمارس الدعارة، قد تُعتبر إقامتها غير صالحة وتُرحَّل من البلاد. تهدف هذه السياسة إلى الحد من استغلال المهاجرات غير الشرعيات والحد من الاتجار بالبشر، الذي غالبًا ما يستهدف النساء من البلدان الفقيرة.
أظهرت الإحصائيات أن جزءًا كبيرًا من العاملين في صناعة الجنس في الدنمارك هم من المهاجرين، خاصة من تايلاند، ودول الاتحاد الأوروبي في أوروبا الوسطى والشرقية، وأفريقيا (خاصة نيجيريا).
- العمالة التايلاندية: تعد أكبر مجموعة مهاجرة في هذا المجال، ولكن معظمهم يحملون تصاريح إقامة أو جنسية دنماركية، مما يمنحهم حق الحصول على المزايا الاجتماعية والصحية.
- العمالة الأوروبية: يأتون من دول الاتحاد الأوروبي، وعادة ما يتنقلون بين الدنمارك وبلدانهم، مما يجعلهم غير مؤهلين للحصول على المساعدة من الخدمات الاجتماعية الدنماركية.
- العمالة الأفريقية: يشكلون مجموعة كبيرة أخرى، وكثير منهم قد يكونون ضحايا للاتجار بالبشر، حيث يتم إجبارهم على ممارسة الدعارة بعد جلبهم إلى البلاد.
تطور قوانين البغاء عبر التاريخ الدنماركي:
كانت الدنمارك تتبنى قوانين صارمة ضد البغاء في الفترات المبكرة، ولكنها تطورت بشكل كبير مع مرور الوقت.
الفترة المبكرة (قبل القرن العشرين):
- القرن السابع عشر: كان القانون المدني لعام 1683 يُجرم ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، بما في ذلك الدعارة، ويُعتبر "زنا". كانت العقوبة تتراوح بين السجن للرجال والجلد للنساء.
- القرن التاسع عشر: تغير النهج من التجريم المطلق إلى التنظيم والرقابة. كانت الشرطة تقوم بتسجيل البغايا، وإجبارهن على الخضوع لفحوصات طبية منتظمة. كان الدافع الرئيسي وراء هذه السياسة هو مكافحة الأمراض المنقولة جنسيًا التي كانت تُعتبر خطرًا كبيرًا على الصحة العامة.
- بداية القرن العشرين: بدأت الجماعات النسائية والدينية في الضغط ضد هذه السياسات، مما أدى إلى إلغائها. تم حظر بيوت الدعارة في عام 1901، وتم التخلي عن الفحص الإجباري في عام 1906، مما أنهى عصر التنظيم الحكومي للبغاء.
العصر الحديث:
- التجريم الجزئي (1999): كما ذكرنا سابقًا، تم تجريم الأنشطة المرتبطة بالبغاء، بينما بقي البغاء نفسه قانونيًا.
المراجعة الشاملة (2012): قامت وزارة العدل بمراجعة شاملة للقوانين المتعلقة بالبغاء. أحد أهم الأسئلة المطروحة كان: هل يجب تجريم شراء الجنس؟
خلص المجلس القانوني الجنائي إلى أن تجريم شراء الجنس قد لا يؤدي إلى انخفاض في الدعارة أو الاستغلال، بل قد يكون له عواقب سلبية على العاملين في هذا المجال، مثل تدهور أوضاعهم الاقتصادية وزيادة الوصمة الاجتماعية. بناءً على هذا التقرير، قررت الحكومة الدنماركية عدم فرض حظر على شراء الجنس.
إحصائيات وأنماط العملاء:
تشير الدراسات إلى أن نسبة لا بأس بها من الرجال الدنماركيين قد دفعوا مقابل ممارسة الجنس مرة واحدة على الأقل. وقد أظهر تقرير صادر في عام 2005 أن 14% من الرجال الدنماركيين قاموا بذلك.
من المهم ملاحظة أن أنماط البغاء تغيرت بشكل كبير، حيث أصبح العديد من المشتغلين بالجنس يعتمدون الآن على الإعلانات عبر الإنترنت للترويج لخدماتهم، على غرار ما يحدث في العديد من المدن الأوروبية الأخرى.
