جمعية الكف الأسود وعصابة اليد السوداء: دور الحركات السرية في تأجيج الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1948

من المقاومة السرية إلى الثورة الكبرى: جمعية الكف الأسود وعصابة اليد السوداء

لم تكن المقاومة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني مقتصرة على الحركات الكبرى فقط، بل برزت في هذا السياق مجموعات سرية مسلحة، لعبت دوراً حاسماً في إشعال شرارة الثورة والحفاظ على روح المقاومة. من أبرز هذه المجموعات كانت جمعية الكف الأسود و عصابة اليد السوداء، اللتان شكّلتا ذراعاً سرياً للمقاومة الشعبية.


جمعية الكف الأسود: شعلة المقاومة في شمال فلسطين

تعتبر جمعية الكف الأسود امتدادًا لمجموعات الشيخ عز الدين القسام، التي أسسها وقادها سرور برهم في عام 1937. نشأت الجمعية في مدينة حيفا، ثم امتد نشاطها ليشمل مناطق واسعة في شمال فلسطين، لتصبح واحدة من أبرز فصائل المقاومة خلال الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.


أهداف ودور الجمعية:

تجسد دور جمعية الكف الأسود في ثلاثة محاور رئيسية:

  • مقاومة الانتداب البريطاني: من خلال مهاجمة المخافر والمعسكرات البريطانية، بهدف إضعاف السيطرة البريطانية على البلاد.
  • مقاومة التغلغل الصهيوني: عبر اغتيال قادة العصابات الصهيونية ومهاجمة مستوطناتهم.
  • تصفية العملاء: كانت تستهدف سماسرة الأراضي الذين يبيعونها للمنظمات الصهيونية، مما كان يعيق المشروع الاستيطاني.


عمليات نوعية وبارزة:

نفذت الجمعية سلسلة من العمليات النوعية التي أثبتت قوتها وفعاليتها:

  • عملية القطار (هجوم على قطار بريطاني): استهدفت عملية جريئة قطارًا بريطانيًا، مما أسفر عن مقتل 25 جنديًا بريطانيًا والاستيلاء على شحنة كبيرة من الأسلحة والذخيرة.
  • اقتحام معسكر وادي النسناس: رداً على تفجير حديقة للأطفال في حيفا من قبل عصابة "الهاجاناه"، قامت الجمعية باقتحام معسكر "وادي النسناس"، مما أدى إلى مقتل 9 من أفراد العصابات الصهيونية و 30 جنديًا بريطانيًا.
  • تحرير شارع فيرجن: في مواجهة هجوم واسع من قبل "الهاجاناه" على شارع فيرجن في حيفا، شنت الجمعية هجومًا مضادًا، مما أسفر عن مقتل 20 وإصابة 50 من أفراد العصابات الصهيونية، ونجحت في تحرير الشارع.
  • معركة وادي النسناس الكبرى (14 مارس 1948): في واحدة من أهم معاركها، اشتبكت جمعية الكف الأسود مع أهالي حيفا ضد قوات "الأرغون" الصهيونية. أسفرت المعركة عن مقتل 110 من الجنود الصهاينة، من بينهم قائدهم "بنحاس رام"، واستشهاد 60 مقاتلًا فلسطينيًا، وتم تحرير وادي النسناس.
  • تفجير شركة "سوليل بونيه": استهدفت هذه العملية مقر الشركة الصهيونية في حيفا، رداً على تفجير "دار السلام العربية" من قبل "الهاجاناه".
  • معركة مستوطنة "متوسكين": خلال هذه المعركة، تعرضت قافلة أسلحة يقودها سرور برهم والضابط الأردني محمد الحنيطي لكمين صهيوني. بعد استشهاد 14 مقاتلاً، قاد برهم الشاحنة المحملة بالأسلحة والمتفجرات إلى داخل المستوطنة وفجرها، مما أدى إلى مقتل 355 جندياً صهيونياً وتدمير المعسكر بالكامل.


عصابة اليد السوداء: مقاومة العملاء في الرملة

ظهرت عصابة اليد السوداء في نفس الفترة، تحديداً عام 1936، ولكن في مدينة الرملة. كان هدفها الرئيسي هو ملاحقة وتصفية العملاء الذين يتعاونون مع قوات الانتداب أو مع العصابات الصهيونية. كانت هذه الجماعات السرية بمثابة عين المقاومة التي لا تنام، وتعمل على تطهير الصف الداخلي من الخونة، مما يعزز الثقة في صفوف الثوار ويضمن سرية عملياتهم.


دور المجموعات السرية في الثورة الفلسطينية

إن وجود هذه الجماعات المسلحة مثل الكف الأسود و اليد السوداء كان له دور كبير في تغذية الثورة الفلسطينية وتوجيهها. لم تكن مجرد فصائل قتالية، بل كانت أيضاً رمزاً للصمود والتحدي في وجه القوى الكبرى، مما ألهم أجيالاً لاحقة من المقاومين وأكد على أن الشعب الفلسطيني لم يكن يستسلم للظلم أو الاحتلال.

هذه المجموعات، على الرغم من قلة عددها وسريتها، أثبتت أن الإرادة والعزيمة أقوى من العتاد، وخلّدت أسماء قادتها وعملياتها في تاريخ المقاومة الفلسطينية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال