شرح وتحليل النص القرائي المسترسل عائد إلى الميدان لعيسى الناعوري - في رحاب اللغة العربية - السنة الثانية إعدادي



النص:
عائد إلى الميدان ص- 76
ما لتلك السيدة العجوز جالسة إلى جانب السرير في المستشفى، ومنديلها بيدها مبتل بأكمله بالدموع بغزارة من عينيها الملتهبتين كالجمر؟

ليس ذلك اليوم يومها الأول هناك، لقد جاءت أمس أيضا في مثل هذا الموعد، وجاءت كذلك أمس الأول حيث بلغها نبأ إصابة سلمان في المعركة. وفي كل مرة كانت تنتحب بمرارة محرقة، وتنظر إلى جانب السرير ساعات كلها قلق، لعل سلمان يصحو من غيبوبته يكلمها، يقول لها شيئا يطمئنها إلى أن هناك أملا في عودته إلى الحياة.

ليت الطبيب يدخل فيزيل جزعها أو ليت الممرضة تجيء لتزيل وساوسها وهواجسها.
لم تطق السيدة صبرا، فنهضت عن مقعدها، وانسلت من باب الغرفة تبحث عن الطبيب أو الممرضة. وعند الباب التقت بالطبيب نفسه، فجثت عند قدميه باكية ضارعة:
إنه يهذي يا دكتور .. إنه يهذي دون انقطاع !
فجأة انقطع الهذيان، وهدأت حركة جسمه على السرير، فطار قلب الأم هلعا، وراحت عيناها تتنقلان جزعتين ضارتين بين السرير وعيني الطبيب الذي أخذ يجس ، نبض سلمان صامتا.

نظر الطبيب إلى العجوز باسما، فأشرق قلبها كأنما حملت إليها ابتسامته ألطف ما في أشعة الشمس من نور ودفء.
دكتور هل يعيش ؟!
اطمئني، سلمان بخير؛ ستكلمينه غدا
إنه أمل حياتي الوحيد يا دكتور : لا أولاد ولا بنات، إنه الحبل الذي يشد حياتي وشيخوختي إلى البقاء
اطمني يا سيدتي، إنه سيعيش لك.

ما كاد الطبيب يغادر الغرفة حتى دخلت إحدى الممرضات تعلن انتهاء وقت الزيارة، فانحنت العجوز على وجه سلمان تقبله، ثم خرجت خلف الممرضة، وعيناها الغارقتان في الدموع تنظران خلفها إلى السرير الذي تركته يحمل أمنيتها الوحيدة الباقية في الحياة.

قبل موعد الزيارة من بعد ظهر اليوم التالي كانت أم سلمان قد تعبت من الجلوس والوقوف في ساحة المشفى ما إن فتح الباب لدخول الزائرين حتى أسرعت تقطع الردهة ، مهرولة، ثم تصعد السلم لاهثة، وقلبها يخفق بشدة بين الأمل والخوف.

دفعت باب الغرفة دون أن تتوقف لتقرعه أولا، وأسرعت إلى الداخل لتجد سلمان فاتحا عينيه، بادي اليقظة، كأنما ينتظر دخولها، فانهمرت دموع الفرح من عينيها وانهالت عليه تقبله.

ابتسم سلمان ابتسامة أحست معها بأن الدنيا كلها تضحك لها وتغني وترقص وقال سلمان:
لقد أقلقتك إصابتي يا أمي، أليس كذلك؟
إنك بخير يا ولدي: الحمد لله، الحمد لله.
نظر سلمان نظرة عميقة إلى عيني أمه المغرورقتين بدموع الفرح، ثم أمسك بيدها فوق صدره وقال:
لكن الموت ليس مفزعا في مثل موقفي يا أمي. إنه شهادة في سبيل شريف: سبيل الله والوطن. إن الذي يدافع عن وطنه يعرف أنه خارج لمقابلة الموت في كل لحظة، ولذلك لا يخاف منه. انحنت العجور على سلمان تطوقه وتقول: لا تقل هذا، لا أريد أن تموت. يجب أن تعيش لي يا ولدي، وأن أفرح بك.

بعد ثلاثة أسابيع غادر سلمان المستشفى وقد شفي تماما من جراحه، وكان الفرح في قلب والدته العجوز بعودته إلى الحياة يختلط بخوفها من قرب عودته إلى الميدان.
إن الهدنة تكاد تنتهي مدتها، ومعاودة القتال بعدها أمر لا مفر منه، والميدان في حاجة إلى كل جندي للدفاع عن الوطن.
وقبل انتهاء الهدنة بخمسة أيام، وقف سلمان أمام باب البيت بألبسته العسكرية يودع أممه ليعود إلى الميدان. ولم تستطع أن تتغلب على مشاعرها، فأطلقت العنان لدموعها وهي تطوق عنقه بذراعيها، وتلقي برأسها المكلل بالشيب على صدره.

أحس سلمان بحاجته إلى البكاء، ولكنه جر دموعه، وقال لأمه برفق وحنان:
إن معركتنا لم تنته بعد يا أمي. أتريدين أن يفر منها ابنك فرار الجبناء ؟ لو فررت منها لحملت شيخوختك العار، أما إذا صمدت فيها إلى النهاية، وقضيت فيها شهيدا فسيكو شرف الشهادة لي ولك معا . سيدعوك الناس« أم الشهيد » وسأكون فخرا لك، وللأجيال بعدك وبعدي.
وتعالی نحيب العجوز، ورأسها يعلو ويهبط على صدره، ولكنها لم تقل شيئا. كانت كلمات سلمان تعمل في نفسها، بينما راح هو تابع كلامه:

أنا تعلمت الشجاعة وحب الوطن منك. لقد مات أبي وأنا طفل، وأنت عنيت بي، وكنت تروين لي قصص الأبطال والشجعان ومغامراتهم وحروبهم، فهل تصدينني الآن وأنا أحاول أن أحقق ببطولتي أخلامك وأحلامي مستهينا بالموت والخوف والأخطار لأحقق الخيرية لوطني والنصر لأمتي ؟ إنك لن ترضي لي بالهزيمة، ولن تستطيعي أن تفخري بي في شيخوختك إذا فررت من الميدان كالجبناء! رفعت العجوز رأسها من صدر سلمان ومسحت الدموع من عينيها، ثم راحت تنظر إلى وجهه بصمت. ولم تلبث أن قالت متجلدة:
مع السلامة يا ولدي! عذ إلى الميدان ودعني أذكرك في كل مجلس باعتزاز وفخر! إن حصتي فيك لست أكتر من حصة وطنك وأمتك، وقد أخذت منك حصتي. فأعط وطنك وأمتك حصتهما!
فانحنى عليها سلمان يعانقها طويلا وهو يقول:
إنك مفخرة لي يا أمي. الوداع.
وانفلت من بين يديها، ومضى في طريقه عائدا إلى الميدان.

صاحب النص:
عيسى الناعوري أديب أردني.

مصدر النص:
رواية عائد إلى الميدان.
الاتجاه الوطني الإنساني.
نوعية النص:
نص سردي يندرج ضمن مجال القيم الوطنية الإنسانية.

الشرح:
يهذي: يتكلم بغير المعقول.
يجس: يفحص.
الردهة:البيت الذي لا أعظم منه.
متجلدة: صابرة.

الحدث العام:
عزم سلمان على العودة الى ميدان المعركة  بعد شفائه  من الاصابة التي اصيب بها وهو يقاتل اعداء وطنه واقناع والدته التي كانت معترضة على ذلك بتلبية نداءالوطن.

أحداث الحكاية:
1- جزع الأم وبكائها الشديد بسبب خطورة جرح ابنها العميق.
2- التوسل والتضرع للطبيب لإشفاء ابنها.
3- تماثل سليمان للشفاء ومغادرته المستشفى جعل أمه تعيش مشاعر الفرحة والخوف من عودته إلى الميدان.
4- إظهار سلمان عن شجاعته وحبه لوطنه واستعداده للتضحية في سبيل الحرية والنصر.

التحليل:
- الشخصيات:
الام: امراة كبيرة في السن تحب ابنها حبا كبيرا وتخاف عليه.
سلمان: جندي مؤمن بواجبه الوطني متمسك بحريته شجاع لا يرهب الموت.
الطبيب الممرضة من الشخصيات الثانوية في القصة.

- الزمان:
الماضي بعد توقف المعركة

- المكان:
المنزل المستشفى ساحة المعركة...

التركيب:
يحكي النص قصة الجندي يدعى سلمان قرر العودة الى المعركة للدفاع عن الوطن بعد شفائه من الإصابة التي حدثت له اثناء القتال والتي اقلقت والدته العجوز وخافت على ان ينتشله الموت من بين يديها لكنه يفاجئها في النهاية بقراره الذي صمم عليه وهو العودة الى ساحة القتال غير متاثر بتوسلات والدته التي حاولت منعه من الذهاب الى المعركة ولكنها اقتنعت في النهاية بواجب الوطن الذي يعلو على كل شيء.
نستخلص من هذه القصة ان التضحية واجبة على كل مواطن عليه ان يدافع عن وطنه مهما كلفه الأمر.