الفقيه كل الفقه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله.. الفقه في الدين التزام صفة الاتزان والاعتدال في عرض أمور الدنيا ومحاولة إصلاح الناس

الفقيه كل الفقه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله:
ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها([1]).
في هذا النص يبين أمير المؤمنين على رضي الله عنه أن من الفقه في الدين التزام صفة الاتزان والاعتدال في عرض أمور الدنيا ومحاولة إصلاح الناس، وذلك بأن يسير الداعية في خط وسط بين مقامي الخوف والرجاء، فلا ينطلق في تخويف الناس إلى الحد الذي يجعلهم يقنطون من رحمة الله، ولا ينطلق في ترغيب الناس إلى الحد الذي يجعلهم يأمنون من عذاب الله تعالى، ونجد عليًا رضي الله عنه في هذا النص يبين أن من مظاهر الفقه في الدين ألا يهون العالم من شأن المعاصي فيجرئ الناس على ارتكابها، وأن يحافظ على مستوى الإيمان والتقوى لدى الناس مع محاولة رفعهم نحو الكمال في ذلك، كما أن من الفقه أن يحاول العالم ربط المسلمين بكتاب الله تعالى، وهنا يبين على رضي الله عنه أهمية القرآن الكريم وتفضيله المطلق على كل ما سواه، وفيه تبيين أو تعليم للطريقة التي نتعامل بها مع القرآن الكريم، وألا نتجاوزه إلى غيره رغبة عنه لأنه مصدر الهداية الأول، ومن المعلوم أن السنة النبوية بيان تفصيلي للقرآن الكريم، فالتوجيه إلى القرآن يعتبر توجيهًا إلى السنة، ثم يبين أن من أهم شروط العبادة الشرعية المقبولة أن تكون صادرة عن علم بالكتاب والسنة وأن العلم لا يكون نافعًا إلا إذا رافقه الفهم الصحيح.
ويختم وصيته النافعة ببيان أهمية تدبر معاني كتاب الله تعالى حال التلاوة لأن الخير كل الخير في فهم مقاصد القرآن الكريم للعمل بأحكامه، والتوجه الكامل لله بالقلب والعقل والروح والجوارح عند قراءتنا لكتابة، وبذل كل ما نستطيع لفهم مراد الله والعمل بأوامره واجتناب نواهيه، والتخلص من كل العوائق التي تحول بيننا وبين كتاب الله، فهذا يدعونا للتجرد لله بالكلية وإخلاص الدين له، وتحرى مراد الله ورسوله ودين الحق، ولو أدى إلى مفارقة الأهل والمال والولد والوجاهة الدنيوية، فإن ما عند الله خير وأبقى والاتعاظ بمواعظه وتنمية الإيمان بتذكر معاني هذا الكتاب العظيم([2]).

([1]) حلية الأولياء (1/77)، صفة الصفوة (1/325).
([2]) التاريخ الإسلامي (12/431-433).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال