تحليل ظاهرة "دق الديزل" (Diesel Knock): الأسباب الميكانيكية التي تحاكي صوت محمل وذراع التوصيل
تُعرف ظاهرة صوت الدق العنيف أو "القرقعة" التي تظهر في محركات الديزل باسم "دق الديزل" (Diesel Knock). هذا الصوت حاد ومعدني، وغالبًا ما يشبه بشكل مخادع صوت الأجزاء المتحركة التالفة مثل محامل عمود المرفق (Crankshaft Bearings) أو محمل ذراع التوصيل (Connecting Rod Bearing).
السبب الجذري لهذه الظاهرة ليس بالضرورة تضرر المحمل، بل يكمن في طريقة احتراق الوقود المختلفة جذرياً عن محركات البنزين.
أولاً: آلية نشوء دق الديزل (الاحتراق غير المتحكم فيه)
ينشأ صوت دق الديزل نتيجة لعملية احتراق تحدث في مرحلتين غير مرغوب فيهما، وهي التي تخلق موجات الضغط العنيفة المسببة للصوت:
1. مرحلة التأخر (Delay Period):
- في محرك الديزل، يُحقن الوقود (الديزل) في الهواء المضغوط والساخن داخل الأسطوانة (الاحتراق بالضغط).
- لا يحترق الوقود فورًا عند حقنه، بل يحتاج إلى فترة زمنية قصيرة تُعرف بـ "فترة تأخر الاشتعال" (Ignition Delay). خلال هذه الفترة، يتراكم جزء كبير من الوقود المحقون في غرفة الاحتراق دون أن يشتعل.
2. مرحلة الاحتراق غير المتحكم فيه (Rapid Combustion):
- بمجرد انتهاء فترة التأخر، يشتعل الوقود المتراكم كله تقريباً دفعة واحدة وبشكل شبه انفجاري.
- هذا الاشتعال المفاجئ والعنيف يؤدي إلى ارتفاع ضغط هائل وسريع جداً داخل الأسطوانة. هذا الارتفاع يولد موجات صدمة ضغطية تتسبب في اهتزاز جدران الأسطوانة ورأس المحرك، مما ينتج عنه صوت الدق المعدني الحاد.
ثانياً: سبب تشابه الصوت مع تلف المحامل
يُشبه صوت دق الديزل صوت تلف المحامل (البِيَل) لسببين رئيسيين:
- التزامن مع الحركة: يبلغ ضغط الاحتراق العنيف ذروته في الجزء العلوي من شوط القدرة (Power Stroke)، أي عندما تكون الأجزاء الميكانيكية (المحامل وذراع التوصيل) تحت أقصى حمل. يضرب الدق الميكانيكي الناتج عن الاحتراق الأسطوانة في نفس التوقيت الذي يُتوقع فيه سماع صوت المحمل التالف الذي يضرب بسبب الخلوص الزائد.
- الطبيعة العنيفة والمعدنية: ينتقل صوت موجات الضغط العالية والاهتزازات الناتجة عن الاحتراق من داخل الأسطوانة إلى كتلة المحرك، فيُفسر على أنه صوت اصطدام معدني أو "لعب" (خلوص) بين الأجزاء الميكانيكية الرئيسية.
ثالثاً: العوامل التي تزيد من حدة دق الديزل
يمكن لعدة عوامل تشغيلية وميكانيكية أن تزيد من حدة وطول فترة تأخر الاشتعال، وبالتالي تزيد من صوت الدق:
انخفاض رقم السيتان (Cetane Number):
- رقم السيتان هو مقياس لجودة اشتعال الديزل. الديزل ذو السيتان المنخفض يحتاج إلى فترة تأخر أطول قبل الاشتعال.
- فترة تأخر أطول تعني تراكم كمية أكبر من الوقود، مما يؤدي إلى انفجار أكثر عنفاً ودق أعلى.
انخفاض درجة حرارة المحرك: إذا كان المحرك بارداً، يكون الهواء المضغوط أقل سخونة، مما يطيل فترة تأخر الاشتعال ويجعل الدق أكثر وضوحاً، خاصة عند بدء التشغيل على البارد.
مشاكل نظام الحقن:
حقن متأخر: إذا كان توقيت الحقن متأخراً جداً، قد يتسبب في احتراق الوقود عندما يكون المكبس قد تحرك مسافة كبيرة لأسفل، مما يؤدي إلى ضغط أقل للاحتراق ولكن زيادة في الدق.
- رذاذ غير جيد: إذا كانت الفوهات (الحاقنات) تالفة ولا تُرذذ الوقود بشكل جيد، فإن مزج الوقود بالهواء يتأخر، مما يطيل فترة التأخر ويزيد الدق.
- نسبة الانضغاط المنخفضة: إذا كان هناك تسريب أو تلف يقلل من نسبة الانضغاط الفعلية (مثل تسرب عبر حلقات المكبس أو الصمامات)، تقل حرارة الهواء، وتطول فترة التأخر، ويزيد الدق.
رابعا: التمييز بين دق الديزل الناجم عن الاحتراق والدق الميكانيكي للمحامل
يُعد صوت الدق الحاد في محركات الديزل مؤشراً مقلقاً، ويتطلب التمييز الدقيق بين مصدره الحقيقي؛ هل هو ناتج عن عملية احتراق غير سليمة (دق الديزل)، أم عن تلف ميكانيكي خطير في المحامل الداخلية؟ فيما يلي تحليل منظم للفروق الجوهرية بين الظاهرتين:
1. مصدر وطبيعة الصوت:
يكمن الفرق الأساسي بين النوعين في منشأ الصوت وطبيعته الفيزيائية:
- دق الديزل (احتراق): ينشأ هذا الصوت نتيجة لـ احتراق سريع ومفاجئ لكمية متراكمة من الوقود داخل غرفة الاحتراق (بسبب فترة تأخر الاشتعال). تكون طبيعة الصوت حادّة ومعدنية للغاية، وغالباً ما تشبه صوت القرع السريع على كتلة المحرك.
- دق المحمل/ذراع التوصيل (تلف ميكانيكي): ينشأ هذا الصوت بسبب خلوص زائد (Gap) بين الأجزاء المتحركة، سواء كان في محمل ذراع التوصيل أو المحامل الرئيسية لعمود المرفق. تكون طبيعة الصوت أكثر خفوتًا وأثقل، ويشبه الضرب بالمطرقة أو "طرق" (Knocking) عميق، ويزداد قوة بشكل ملحوظ مع زيادة الحمل الميكانيكي على المحرك.
2. التأثر بالحرارة والظروف التشغيلية:
تتأثر كلتا الظاهرتين بعوامل مختلفة، مما يساعد في عملية التشخيص:
- تأثير حرارة المحرك:
- دق الديزل: غالبًا ما يظهر هذا الدق عند تشغيل المحرك وهو بارد أو تحت ظروف عمل غير مثالية، لكنه يختفي أو يقل بشكل كبير بمجرد وصول المحرك إلى درجة حرارة التشغيل المثلى واستقرار عملية الاحتراق.
- دق المحمل: على عكس دق الديزل، فإن الدق الميكانيكي لا يختفي بارتفاع درجة الحرارة. بل قد يزداد سوءًا ووضوحًا مع ارتفاع حرارة المحرك، وذلك بسبب انخفاض لزوجة الزيت (ترققه) وارتفاع الخلوص الميكانيكي.
- التأثر بزيت المحرك:
- دق الديزل: لا يتأثر هذا الصوت بشكل مباشر أو كبير بتغيير لزوجة زيت المحرك.
- دق المحمل: يمكن أن يتحسن صوت الدق الميكانيكي بشكل طفيف ومؤقت عند تغيير الزيت أو استخدام زيت ذي لزوجة أعلى (أكثر كثافة)، لأنه يملأ الفجوات مؤقتاً.
3. العلاج المطلوب:
تختلف الحلول المطلوبة جذرياً بناءً على مصدر الصوت:
- علاج دق الديزل (احتراق): يتركز العلاج في تصحيح عملية الاحتراق، ويشمل ذلك: تحسين جودة الوقود (رفع رقم السيتان)، تصحيح توقيت الحقن، أو إجراء صيانة شاملة لنظام الحقن لضمان جودة رذاذ الوقود.
- علاج دق المحمل (ميكانيكي): يتطلب هذا النوع من الدق إصلاحاً ميكانيكياً فورياً وتفكيك المحرك لاستبدال المحامل التالفة، كونه يشير إلى تلف داخلي حقيقي يهدد سلامة عمود المرفق والمحرك بالكامل.