أسلوب تقليل المساعدة التدريجي: بناء الاستقلالية في التعلم
يُعد أسلوب تقليل المساعدة التدريجي (Fading) تقنية تعليمية محورية تُستخدم لتعزيز استقلالية المتعلم وقدرته على أداء المهام والمهارات بنفسه. يقوم هذا الأسلوب على مبدأ التخفيض المنظم والممنهج للدعم والمساعدة التي يُقدمها المعلم أو المربي للمتعلم، وذلك بهدف نقل المسؤولية تدريجياً من المعلم إلى المتعلم. الهدف الأسمى هو أن يُصبح المتعلم قادراً على أداء المهارة التعليمية أو السلوك المستهدف بفعالية ودون الحاجة لأي دعم خارجي.
مفهوم تقليل المساعدة التدريجي وآلية عمله:
أسلوب تقليل المساعدة التدريجي ليس مجرد سحب الدعم بشكل عشوائي، بل هو عملية دقيقة ومخطط لها. يبدأ المعلم بتقديم مستوى عالٍ من المساعدة الضرورية لضمان نجاح المتعلم في أداء المهمة في المراحل الأولى. هذه المساعدة قد تتخذ أشكالاً مختلفة، ثم تُقلل تدريجياً مع تحسن أداء المتعلم. الهدف هو تجنب الاعتمادية (Promt Dependency)، وهي الحالة التي يُصبح فيها المتعلم غير قادر على أداء المهمة إلا بوجود المساعدة.
تعتمد فعالية هذا الأسلوب على فهم المعلم لمستوى المتعلم وقدرته على التكيف، بحيث يتم سحب المساعدة بوتيرة لا تُعيق التعلم ولا تُسبب الإحباط.
أشكال المساعدة في أسلوب تقليل المساعدة التدريجي:
يمكن تقديم المساعدة بأشكال متنوعة، تُقلل تدريجياً من الأكثر تدخلاً إلى الأقل تدخلاً:
المساعدة الجسدية (Physical Prompts):
هي الشكل الأكثر تدخلاً للمساعدة، حيث يقوم المعلم بتوجيه جسد المتعلم بشكل مباشر لإتمام المهمة.
- مثال: الإمساك بيد الطفل بالكامل لتوجيهه لكتابة حرف ما، أو توجيه ذراعيه لإتمام حركة رياضية.
- تقليصها: يبدأ المعلم بسحب يده تدريجياً من يد الطفل حتى يُصبح الدعم مقتصراً على لمسة خفيفة على الكوع، ثم لا شيء.
المساعدة الإيحائية / الإيمائية (Gestural/Modeling Prompts):
تتضمن استخدام الإيماءات، الإشارات، أو نمذجة السلوك المطلوب.
- مثال: الإشارة بالإصبع نحو الأداة الصحيحة التي يجب على الطفل استخدامها، أو قيام المعلم بأداء الحركة كاملة أمام الطفل ليُقلدها.
- تقليصها: يبدأ المعلم بتقليل وضوح الإشارة أو تقليل عدد مرات نمذجة السلوك، ثم الاكتفاء بالإشارة البسيطة جداً أو حتى الإيماء بالعين.
المساعدة اللفظية (Verbal Prompts):
تُقدم من خلال التعليمات الشفهية أو التوجيهات اللفظية التي تُخبر المتعلم بما يجب عليه فعله.
- مثال: قول "امسك القلم هكذا" أو "اضغط الزر الأحمر".
- تقليصها: يبدأ المعلم بتقليل عدد الكلمات المستخدمة (مثلاً: "القلم؟" بدلاً من الجملة الكاملة)، ثم تقليل وضوح الصوت، وأخيراً التوقف عن التوجيه اللفظي تماماً.
متى يُطبق أسلوب تقليل المساعدة التدريجي؟
يُعد التوقيت المناسب لتطبيق هذا الأسلوب أمراً حيوياً لنجاحه:
- بعد تعلم المهارة أو تحقيق السلوك النهائي: من الضروري البدء بتقليل المساعدة بعد أن يكون المتعلم قد أتقن المهارة أو السلوك المستهدف بمساعدة المعلم. بمعنى آخر، يجب أن يكون المتعلم قد أظهر قدرة على أداء المهمة بنجاح بوجود المساعدة. البدء بتقليل المساعدة قبل ذلك قد يؤدي إلى الإحباط وفشل المتعلم في إتمام المهمة، مما يُعيق عملية التعلم.
- تجنب الاعتمادية على المعلم: الهدف الأساسي من التقليل التدريجي هو منع المتعلم من تطوير اعتمادية (Prompt Dependency) على الدعم الخارجي. إذا استمر المعلم في تقديم نفس المستوى من المساعدة لفترة طويلة، سيعتاد المتعلم على هذا الدعم ولن يُطور الاستقلالية اللازمة لأداء المهمة بمفرده. هذا يحد من قدرته على تعميم المهارة في سياقات مختلفة.
التدرج الموصى به في أنواع المساعدة:
يُفضّل للمعلم أن يتبع تسلسلاً منطقياً في أنواع المساعدة التي يُقدمها ثم يُقللها:
- البدء بالمساعدة اللفظية (أقل تدخلاً): في كثير من الحالات، يُنصح بالبدء بالمساعدة اللفظية. إذا كان المتعلم قادراً على فهم التعليمات اللفظية، فإن هذا النوع من المساعدة يُعتبر الأقل تدخلاً ويُشجع على التفكير المستقل بشكل أكبر.
- الانتقال إلى المساعدة الإيحائية/ الإيمائية (متوسط التدخل): إذا لم تكن المساعدة اللفظية كافية أو لم يُظهر المتعلم استجابة مناسبة، يمكن الانتقال إلى المساعدة الإيحائية أو نمذجة السلوك.
- اللجوء إلى المساعدة الجسدية (الأكثر تدخلاً): في حال عدم استجابة المتعلم للمساعدات اللفظية والإيحائية، أو في المهارات التي تتطلب دقة حركية عالية في البداية، يُمكن اللجوء إلى المساعدة الجسدية كخيار أخير لضمان إتمام المهمة.
بعد ذلك، تبدأ عملية التقليل التدريجي من المساعدة الأكثر تدخلاً (الجسدية) وصولاً إلى الأقل تدخلاً (اللفظية)، ثم سحبها تماماً. مثلاً: يبدأ المعلم بالمساعدة الجسدية الكاملة، ثم يقللها إلى مساعدة جسدية جزئية، ثم ينتقل إلى مساعدة إيمائية، ثم مساعدة لفظية، وأخيراً لا شيء. هذا التدرج يضمن أن المتعلم يُطوّر المهارة بشكل تدريجي ويُصبح قادراً على أدائها ذاتياً.
خلاصة:
يُعد أسلوب تقليل المساعدة التدريجي أداة قوية وفعالة في مجال التعليم وتعديل السلوك، خاصةً مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو في مراحل التعلم المبكرة. من خلال التطبيق الواعي والمدروس لهذا الأسلوب، يُمكن للمعلمين والمربين تمكين المتعلمين من تحقيق الاستقلالية الذاتية، بناء الثقة بالنفس، وتعزيز قدرتهم على تطبيق ما تعلموه في مواقف حياتية مختلفة. إن الهدف النهائي ليس مجرد إتقان مهارة، بل هو بناء متعلم مستقل وقادر على الاعتماد على ذاته.
التسميات
أساليب التعلم