بئر رومة: قصة كرم عثمان بن عفان ووقفها الخالد من عهد النبوة إلى اليوم - من ملكية يهودي إلى وقف إسلامي يتدفق خيره عبر العصور

بئر رومة: قصة كرم يمتد لأكثر من 1400 عام

تعتبر بئر رومة واحدة من أبرز المعالم التاريخية في المدينة المنورة، ورمزًا حيًا للكرم والبذل في الإسلام. لم تكن مجرد بئر للماء، بل أصبحت شاهدًا على أحد أعظم المواقف التي جسدت قيمة الوقف في الإسلام، وتكريمًا للصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي خلد اسمه في التاريخ بفضل هذا العمل العظيم.


الموقع والوصف:

تقع بئر رومة في منطقة العقيق الأصغر شمال غرب المسجد النبوي، على بعد حوالي 5 كيلومترات. تتميز بموقعها في منطقة غنية بالمياه، مما جعلها من أعذب آبار المدينة المنورة.

البئر محاطة اليوم بمزرعة واسعة، تُعرف باسم "مزرعة بئر عثمان"، وهي من أهم الأوقاف التي لا تزال قائمة وتُدار حتى الآن. يبلغ عمق البئر حوالي 37 مترًا وقطرها 4 أمتار، ولا يزال ماؤها عذبًا ويُستفاد منه في ري المزروعات وتوزيعها على المحتاجين.


قصة شراء البئر:

بدأت قصة البئر مع هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى المدينة المنورة، حيث كانت المدينة تعاني من قلة مصادر المياه العذبة. وكانت بئر رومة من أغزر الآبار وأعذبها، لكنها كانت مملوكة ليهودي، وقيل لرجل من غفار. وكان يبيع ماءها على المسلمين بسعر مرتفع.

عندما اشتكى المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر، حثّهم قائلاً: "من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، فله الجنة". لم يتردد الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، المعروف بغناه وكرمه، في الاستجابة لهذه الدعوة.

ذهب عثمان إلى مالك البئر وساومه على شرائها، فاشترى منه نصفها في البداية بعشرة آلاف درهم، وشارطه على أن يكون الماء يومًا له ويومًا للمسلمين. وفي يوم المسلمين كان المسلمون يملأون ما يكفيهم ليومين، مما أدى إلى كساد تجارة اليهودي. وعندما رأى ذلك، باع له النصف الآخر من البئر. بذلك، أصبحت البئر ملكًا خالصًا لعثمان بن عفان.


الوقف الإسلامي الأول:

بمجرد أن أصبحت البئر ملكًا لعثمان، لم يحتفظ بها لنفسه، بل جعلها وقفًا لجميع المسلمين، وجعل دلوه كدلاء المسلمين، ليستفيد منها الجميع مجانًا. هذا الموقف يعتبر من أوائل وأشهر الأوقاف في الإسلام، ويُظهر قيمة الوقف كصدقة جارية لا ينقطع أجرها.


البئر عبر التاريخ:

على مر العصور، بقيت بئر رومة مصدرًا أساسيًا للماء، وظلت تحت رعاية الخلفاء المسلمين والدول المتعاقبة، حتى وصلت إلى العصر الحديث. في العهد السعودي، حظيت البئر باهتمام كبير، حيث أقيمت حولها مزرعة للنخيل، ويُباع محصولها ويُوزع ريعه على المحتاجين، لتستمر بذلك الصدقة الجارية التي بدأها عثمان بن عفان رضي الله عنه.

إن بئر رومة ليست مجرد معلم أثري، بل هي رمز خالد للكرم والبذل والعطاء في سبيل الله، وتذكير دائم بفضل الصحابي الجليل عثمان بن عفان الذي استحق بفضلها بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال