الخريطة السكنية في السودان: تباين العمارة بين الريف والحضر
يُظهر الإحصاء السكاني لعام 1993 تباينًا واضحًا في التوزيع السكاني والعمارة في السودان، حيث يُشكّل الريف النسبة الأكبر من التركيبة السكانية، بينما تتركز الأقلية الحضرية في المدن الرئيسية. ينعكس هذا التباين بشكل جلي في طبيعة ومواد بناء المساكن، التي تتراوح بين الأكواخ التقليدية والمباني الطينية وحتى الطوب المحروق.
أولاً: التركيبة السكانية وهيمنة النمط الريفي
يُهيمن النمط الريفي على التوزيع السكاني في البلاد، مما يفرض نموذجًا معماريًا يتكيف مع البيئة والموارد المتاحة:
- الغالبية الريفية: وفقًا للإحصاء السكاني لعام 1993، يعيش ما نسبته من سكان البلاد في الريف. وتتنوع أنماط الحياة الريفية بين الزراعة المستقرة في المناطق الخصبة والبداوة التي تعتمد على الترحال ورعي الماشية.
- الأقلية الحضرية: يعيش ما نسبته من السكان في المدن. ويتركز جزء كبير منهم، يبلغ حوالي من إجمالي السكان، في مدن العاصمة الثلاثة (الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري).
ثانياً: العمارة الريفية: من القش إلى الطين
تتميز العمارة الريفية باستخدام المواد الطبيعية المتوفرة محليًا، وهي تنقسم إلى نموذجين رئيسيين:
1. المساكن العُشّية التقليدية (القطاطي والكرانك):
- القطاطي: هي أكواخ تقليدية ذات تصميم دائري بـ جدار دائري وسقف مخروطي، وهي الشكل الأكثر شيوعاً.
- الكرانك: هي أكواخ مستطيلة الشكل ذات سقف هرمي.
- مواد البناء: يُعتمد في بناء هذه المساكن بالكامل على القش، الذي يتم ربطه بإحكام على هيكل من الأعمدة المستديرة. ويتم تدعيم هذا الهيكل بأعواد خفيفة مثل الكوركي، والفلكاب، أو القنا (البوص).
- التراث المعماري: كان تصميم وتشييد القطاطي والكرانك مُلهمًا رئيسيًا في تطوير التراث الشعبي المعماري، حيث تعكس كل بيئة حضارية أو مجموعة عرقية وقبلية طابعها المميز في هذا النوع من البناء.
2. المساكن الطينية (الجالوص والطوب الأخضر):
- تنتشر هذه المساكن في بعض القرى، خاصة في المناطق الزراعية المتطورة على ضفاف النيل.
- الجدران: تُبنى الجدران إما بـ الجالوص (الطين المخلوط بالقش) أو بـ الطوب الأخضر (الطوب غير المحروق والمجفف بالشمس).
- السقوف: تكون حجرات المباني الطينية مربعة الشكل. يتم تسقيفها باستخدام أعمدة مستديرة ضخمة تسمى المرق.
- هيكل السقف: يُرصّ على المرّق أعمدة متوسطة الحجم تسمى الرصاص، والتي تُغطى بطبقة من الفلكاب أو القنا أو جريد النخيل (في قرى النيل).
الحماية والدعم:
- يُغطى السقف بطبقة نهائية هي خليط من روث الحيوان والقش المختمر، والتي تعمل كطبقة عازلة للحماية من مياه الأمطار.
- لضمان سلامة السقف ومنعه من الانهيار، يتم دعمه في وسطه بعمود ضخم يُعرف بـ الشعبة، لوجود تفرعات وتشعبات في طرفه الأعلى تساعد على توزيع حمل السقف.
3. تصميم السور والزريبة:
- يُحاط المنزل الريفي بسور خارجي من القش أو القنا، مدعوم بهيكل من الأعمدة.
- قد يُدعم هذا السور بـ زريبة مصنوعة من أغصان الأشجار الشوكية، أو بـ سور حي يتكون من أشجار طبيعية مثل الكتّر أو الأنجل، وهي وظيفة مزدوجة للأمن وتحديد الملكية.
ثالثاً: العمارة الحضرية وتأثير الريف
رغم تركز حوالي ثلث السكان في المدن، إلا أن البنية المعمارية في المناطق الحضرية تتأثر بالنموذج الريفي:
المناطق الشعبية والدرجة الثانية: لا تختلف أغلب المساكن في المناطق الشعبية وحتى بعض مناطق الدرجة الثانية كثيرًا عن المباني الطينية في القرى من حيث التصميم العام.
مسكن الدرجة الثانية المحسن: تُشيد معظم مساكن الدرجة الثانية بمواد أكثر متانة، حيث يُستخدم فيها الطوب المحروق (الطوب الأحمر).