جهود مكافحة التصحر وتثبيت الكثبان الرملية في السودان:
تُعد جهود إدارة الغابات، بالتعاون مع الجهات الدولية والدول الصديقة، عبر مختلف المراحل الزمنية، ركيزة أساسية في معركة مكافحة التصحر والحفاظ على البيئة في السودان. تتجسد هذه الجهود بشكل رئيسي في تثبيت الكثبان الرملية المتحركة وإنشاء الأحزمة الشجرية الواقية ومصدات الرياح. وتهدف هذه المشاريع، التي غالبًا ما تُنفذ في إطار برامج التنمية المشتركة، إلى حماية الأراضي الزراعية والبنى التحتية والمجتمعات المحلية من زحف الرمال وآثار الرياح العاتية.
أمثلة بارزة لمشاريع التشجير والأحزمة الخضراء:
شهدت مناطق مختلفة في السودان، خاصة تلك المتأثرة بالجفاف والتصحر، تنفيذ العديد من المشاريع الرائدة التي اعتمدت على العمالة المكثفة لضمان استدامتها وتحقيق فائدة اقتصادية واجتماعية للمجتمعات المحلية. وفيما يلي تفصيل لبعض هذه التجارب الناجحة، لا سيما في ولايات النيل الأبيض، نهر النيل، والشمالية:
1. مشاريع العمالة المكثفة بالنيل الأبيض:
ركزت هذه المشاريع على استخدام الأيدي العاملة المحلية بشكل كبير لتحقيق أهداف التشجير وتثبيت التربة:
- حزام الترعة الخضراء: يمثل هذا الحزام الشجري نموذجًا لحماية قنوات الري والأراضي الزراعية المحيطة بها، حيث تلعب الأشجار دورًا مزدوجًا في تثبيت التربة وتقليل التبخر.
- مشروع تطوير حطب الحريق للطاقة (حزام السحيماب): استهدف هذا المشروع، على وجه الخصوص، تلبية احتياجات المجتمعات من حطب الوقود بطريقة مستدامة، مما يقلل الضغط على الغابات الطبيعية، مع توفير حماية بيئية عبر إنشاء الحزام الشجري في منطقة السحيماب.
2. مشاريع بولايتي نهر النيل والشمالية:
تتميز هاتان الولايتان بكونهما على ضفاف النيل وتعانيان من تهديد التصحر، ما استدعى جهودًا مكثفة:
- مشروع التشجير وإعادة التشجير: يهدف هذا المشروع الواسع إلى استعادة الغطاء النباتي المفقود وزيادة المساحات المشجرة لمواجهة التدهور البيئي.
- مشروع منظمة الساحل العالمية: نفذت المنظمة، بالتعاون مع الجهات السودانية، أحزمة شجرية حيوية مثل أحزمة العفاض - أرقي وغيرها، والتي تشكل دروعاً نباتية ضد زحف الرمال والرياح.
التجربة السودانية الفنلندية وتقييم الأثر البيئي:
تُعد التجربة المنبثقة عن المشروع السوداني الفنلندي مثالاً ساطعاً للتعاون الدولي المثمر. أسفر هذا المشروع عن إنشاء عدة أحزمة شجرية واقية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة بولاية النيل الأبيض.
الأثر العلمي والإيجابي:
تم إخضاع هذه الأحزمة لتقييم علمي دقيق (كما وثقت أطروحة الدكتوراه لمحمد أحمد الفضل عام 1997)، والذي أثبت فعاليتها الكبيرة في تحقيق عدة فوائد بيئية وزراعية:
- تخفيف حدة الرياح: تعمل مصدات الرياح على تقليل سرعة الرياح المدمرة التي تسبب تعرية التربة ونقل الرمال.
- تقليل التبخر: ساهمت الأحزمة في خلق بيئة محلية أكثر رطوبة، مما قلل من معدلات تبخر المياه من التربة والنباتات، وبالتالي تحسين كفاءة استخدام المياه.
- تحسين البيئة الزراعية: أدت هذه التغيرات الإيجابية في المناخ المحلي إلى توفير ظروف أفضل لنمو المحاصيل.
- تحقيق زيادة في الإنتاجية: النتيجة النهائية لهذه التحسينات هي زيادة ملموسة في إنتاجية المحاصيل الزراعية في المناطق المحمية.
نماذج التعاون والمشاريع المشتركة:
بالإضافة إلى المشاريع المذكورة، يجب تسليط الضوء على تجربة مشروع التشجير المشترك كأحد التجارب الناجحة. يعكس هذا النوع من المشاريع أهمية الشراكة بين الحكومة والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص، حيث يتم تقاسم المسؤوليات والمنافع لضمان استدامة جهود التشجير وتأصيلها كثقافة مجتمعية. هذا التعاون يضمن أن تكون الأحزمة الشجرية ليست مجرد مبادرات حكومية، بل أصولاً حية تحافظ عليها وتستفيد منها المجتمعات المحلية بشكل مباشر.