رقابة القضاء لدستورية التشريع.. الامتناع عن تطبيق التشريع حين يتأكد من مخالفة أحكامه للدستور الذي يتوجب عليه التقيد به

رقابة القضاء لدستورية التشريع:
سوف نلخص هذا بالسؤال التالي:
هل يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق التشريع إذا وجد أن أحكامه تخالف المبادئ المقررة في الدستور وتتعارض معها، أم أن من واجبه تطبيق التشريع دوماً سواء أكان موافقاً للدستور أم مخالفاً له؟
لقد ظهر حول هذا الموضوع اتجاهان متعاكسان:

فأصحاب الاتجاه الأول يرون:
أنه لا حق للقضاء في مناقشة مسألة دستورية التشريع، بل عليه أن يطبق التشريع كما هو إذا كان مستوفياً لشرائطه الشكلية، ولو خالف في أحكامه مبادئ الدستور.

وحجة أصحاب هذا الرأي أن السماح للقضاء بمراقبة دستورية التشريع سيؤدي حتماً إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية، مما يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.

أما أصحاب الاتجاه الثاني:
وعلى رأسهم ديجي وهوريو فيرون أن للقضاء الحق في مراقبة دستورية التشريع وأن عليه أن يمتنع عن تطبيق التشريع حين يتأكد من مخالفة أحكامه للدستور الذي يتوجب عليه التقيد به.

وهم يوردون لذلك حججاً عديدة أهمها:
1- إن مراقبة القضاء لدستورية التشريع أمر تحتمه الضرورة والمنطق، لأننا لو رفضنا هذا الحق لاستطاعت السلطة التشريعية مخالفة الدستور على هواها دون أن يمكن منعها.

2- إن مراقبة القضاء لدستورية التشريع أمر يدخل في حدود مهامه واختصاصه لأن القضاء ملزم باحترام الدستور والتشريع وحين وجود تعارض بين أحكامهما على القاضي تطبيق النص الأعلى مرتبة، وعليه بذلك تطبيق الدستور وترك التشريع لمخالفته إياه.

3- إن رقابة القضاء لدستورية التشريع ليس فيها ما يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات لأن السلطتين التشريعية والقضائية ملتزمتان باحترام الدستور.

فإذا خالفت السلطة التشريعية الدستور وامتنعت السلطة القضائية عن ذلك فمعنى ذلك أن السلطة التشريعية تدخلت في شؤون السلطة القضائية وليس العكس.

وبالرغم من أن هذا الرأي الثاني يبدو أقوى حجة، إلا أن القضاء في كثير من البلاد لم تمنحه دساتيرها صراحة مثل هذا الحق.

وقد أخذ بالرأي الأول ورفض أن يعترف لنفسه بصلاحية مراقبة دستورية التشريعات.
أما في بلادنا فيلاحظ أن القضاء العادي يرفض بصورة عامة أن يعترف لنفسه بحق مراقبة دستورية التشريع، وأما القضاء الإداري فيستشعر من بعض قراراته أنه يعترف لنفسه بهذا الحق.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال