كريستوفر كولومبس: ما وراء الاستكشاف الجغرافي.. تحليل للأهداف الدينية والسياسية التي قادت رحلاته الاستعمارية

كريستوفر كولومبس: صورة معقدة بين الأسطورة والحقيقة

يُعدّ كريستوفر كولومبس شخصية تاريخية مُثيرة للجدل، تتعدد الأوصاف التي تُطلق عليه وتتناقض في كثير من الأحيان. فبينما يراه البعض بطلًا أمريكيًا، يرى آخرون فيه شخصية ذات أهداف خفية وأجندة دينية وسياسية معقدة. يصفه المؤرخ ديلنو ويست بأنه "أول بطل أمريكي بكل ما يترتب على هذا اللقب من حقوق ومزايا وأساطير وخرافات وانتقادات"، مما يعكس مدى التعقيد الذي يحيط بشخصيته.


الأهداف الحقيقية لكولومبس: ما وراء الاستكشاف الجغرافي

لم تكن رحلات كولومبس مدفوعة بالرغبة في الاستكشاف الجغرافي أو تحقيق الثروة فحسب، بل كانت تتجاوز ذلك لتشمل أهدافًا دينية وسياسية أعمق، سعى كولومبس لتحقيقها بكل جهده:

  • أجندة دينية واستعمارية: كشف كولومبس بنفسه عن أهدافه في رسالة وجهها إلى الملكة إيزابيلا والملك فريدناند. أشار فيها إلى رغبته في ضم ممالك ومدن جديدة إلى التاج الإسباني، بالإضافة إلى "هداية" شعوبها إلى الدين المسيحي. لم يكن هذا مجرد هدف تبشيري، بل كان جزءًا من خطة أوسع لتجنيد شعوب هذه الأراضي في "حرب الحياة أو الموت ضد إمبراطورية محمد"، في إشارة واضحة إلى الصراع الديني المستمر ضد المسلمين.
  • استعادة الأراضي المقدسة: كان الهدف الأسمى والأكثر أهمية لكولومبس هو "استعادة" الأراضي المقدسة، وتحديدًا القدس ومهد المسيح، وذلك تمهيدًا "لنزول مملكة الله على جبل صهيون". هذا الهدف الديني العميق يفسر إصراره وتركيزه، ويعطي معنى مختلفًا لرحلاته.
  • خطة عمل للحملات الأوروبية: أصبحت رسالة كولومبس التي أرسلها إلى العرش الإسباني بعد رحلته الأولى، بمثابة برنامج أيديولوجي رسمي للحملات الأوروبية اللاحقة. طُبعت هذه الرسالة وتُرجمت على نطاق واسع، وأصبحت وثيقة تمثل البرنامج الشمولي الذي لخصه كولومبس في: "غزو العالم وهداية البشرية إلى المسيحية، واستعادة الأراضي المقدسة، والإعداد لإنشاء مملكة الإله على جبل صهيون في موقع الهيكل".


الهوية الذاتية لكولومبس ومهمته التبشيرية:

كان كولومبس يرى نفسه شخصية ذات مهمة مقدسة، وهو ما يتضح في العديد من إشاراته الشخصية وتأكيداته الذاتية:

  • "حامل المسيح": كان كولومبس يوقع اسمه بصيغة مميزة (Christopherenz) والتي تعني باللاتينية "حامل المسيح". هذا التوقيع ليس مجرد اختيار عابر، بل هو تعبير عن إيمانه العميق بأن مهمته كانت تبشيرية ومقدسة، مشابهة لمهمة القديس كريستوفر الذي حمل المسيح الطفل على كتفيه.
  • "رسول الوحي": يؤكد مؤرخو كتاب (الأمة الأمريكية) أن كولومبس "تصوَّر نفسه رسول الوحي المستقبلي الكتابي الذي ينبئ باستعادة القدس وهداية اليهود". هذا التصور الذاتي يجعله أكثر من مجرد مستكشف، بل شخصية دينية تقع على عاتقها مسؤولية تحقيق نبوءات دينية معينة.
  • زرع الصليب في كل مكان: تؤكد مذكرات كولومبس اليومية على إيمانه العميق بمهمته، حيث كتب في أحد الأيام: "لقد زرعت الصليب في كل مكان وطئته قدماي سواء في الجزر أو القارات". هذه العبارة تلخص بوضوح أن رحلاته لم تكن مجرد مغامرة، بل كانت حملة دينية تهدف إلى نشر المسيحية في الأراضي الجديدة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال