دراسة وتحليل نص مساواة المرأة بالرجل لسلامة موسى



دراسة وشرح وتحليل نص مساواة المرأة بالرجل لسلامة موسى:

1- الموضوع الذي تتناوله المقالة محدَّد، ينحصر في ما يتضمّنه عنوانها صراحةً: قضيّة مساواة المرأة بالرجل.

2- يمهّد الكاتب لتناول هذا الموضوع بإلقائه الضوء على المدلول العامّ للمساواة، محاولاً ربطه بمدلول العدل. كذلك يلقي الأضواء على التاريخ لتوضيح تطوّر هذا المدلول.

3- من ثَمَّ يَطرق الموضوعَ المحدّد، فيشير إلى العقبات التي تعرقل سيرورة تطوّر أوضاع المرأة في اتّجاه نيل المساواة، فيتركّز في الأعباء المنـزليّة وفي المحافَظة (كون المجتمع تقليديًّا محافِظًا).

4- يَخْلص الكاتب إلى أنّ الاستقلال الاقتصاديّ المنبثق من عمل المرأة خارج المنـزل، مصحوبًا بالنهضة التكنولوجيّة التي بإنجازاتها تخفّف الأعباء المنـزليّة وتتيح الوقت والمجال للمرأة لتعمل خارج إطار المنـزل، هذا الاستقلال يكفل دفْع تطوّر الظروف نحو تحقيق المرأة لمساواتها بالرجل. وهو يشير إلى أنّ هذا الاستقلال على الصعيد الاقتصاديّ ينعكس تطوّره على المستويين النفسيّ والاجتماعيّ.

مقالة اجتماعيّة موضوعيّة:
مقالة سلامة موسى هذه مقالة اجتماعيّة علميّة موضوعيّة. تتمثّل اجتماعيّتها في تناولها لقضيّة اجتماعيّة عامّة كثيرًا ما تُطرَح، تتعلّق بنصف أفراد المجتمع البشريّ، وتهمّ أفراده جميعًا. وهي قضيّة ذات مجموعة أبعاد (نفسيّة؛ اقتصاديّة؛ سياسيّة؛ تاريخيّة) يطرقها الكاتب بغير إطالة، وبترابط.

قضيّة المرأة ومساواتها بالرجل أو عدم مساواتها به ليست قضيّة المرأة لوحدها، بل يمكن اعتبارها قضيّة الرجل كذلك (فلها تأثيرها فيه وفي المجتمع عامّةً). فحصول المرأة على حقوقها وعلى مساواتها يعني أنّ ابنة الرجل وأخته وزوجته قد أصبحن في عداد المُنْصَفات.

كذلك هذا يعني ارتقاء المجتمع. فالمجتمع الذي يحقّق المساواة لكلّ أبنائه يتصرّف كجسدٍ متكامل متناغم صحيح. أمّا المجتمع الذي يُقْصي نصف أفراده إلى زوايا الإهمال والاضطهاد، فيصفّق بيد واحدة، ويسير برِجْل واحدة، وينظر بباصرة واحدة.

من هنا تبرز أهمّيّة تحقيق المساواة بين الجنسين وضرورتها ومنفعتها، فالمجتمع كافّةً يستفيد من حالة التساوي هذه.

وهي قضيّة اجتماعيّة عامّة لأنّها قضيّة كلّ المجتمعات، الغربيّة والشرقيّة منها، المنفتحة والمنغلقة، المتقدّمة والمتخلّفة، القويّة والضعيفة -لكن بتفاوت. ذلك أنّ المرأة لا زالت مغبونة حتّى في المجتمعات المتحرّرة (على صعيد العمل -على سبيل المثال)، رغم كلّ التطوّر الحاصل هناك.

أمّا من حيث الصياغة، فالمقالة ذات سِمات موضوعيّة تامّة. يتبدّى ذلك في ما يلي:

1- التدرّج والترابط المنطقيّ:
نجد التدرّج في الاستعراض التاريخيّ المقتضَب المتسلسل للعدل والمساواة. كذلك نجده ونجد الترابط المنطقيّ في الفقرة التاسعة ("المساواة الحقيقيّة بين الرجل والمرأة تعني" ... "لأنّها عضو مستقلّ منتج في المجتمع")؛ حيث يشير الكاتب إلى الأهمّيّة الشديدة للمساواة في الكسب بين الجنسين، وإلى ما يتولّد عن ذلك من مساواة على أكثر من صعيد واحد، ويعقد صلة وثيقة بين عمل المرأة خارج المنـزل وتحقّق المساواة في مجال الكسب.

ومن ثَمَّ يربط الكاتب بين الكسب والارتزاق، وبين هذين الاثنين واستقلال المرأة اقتصاديًّا (ويتجلّى ذلك في استغنائها عن الرجل معيلاً)، وبالتالي تحظى بالكرامة. كلّ ذلك بربط وثيق بين الإنتاج والاستقلال.

2- تلخيص الآراء:
وذلك كما في قوله: "وخلاصة الرأي"... وفي قوله: "وخلاصة منطقنا"... وفي هذا التلخيص إعادة مقتضَبة وتركيز على الأفكار المهمّة.

وهذا من ميّزات المقالات العلميّة والأبحاث والدراسات، إذ تُجْمِل فكرة الكاتب وتسهّل على القارئ فهْمَ جوهرها -بعد الغوص في بعض الشروح والتفاصيل- وترسِّخها في ذاكرته.

3- سهولة التعبير:
يظهر هذا في العفويّة، وفي الابتعاد عن فصيح الكلام أحيانًا (كما في استعماله "تلفون" وَ "ماكينات" وَ "مَكَنَة" -وهي كلمات غير عربيّة)، وفي استحداث مفردات جديدة ("تَمَكْيَنَ" -بمعنى تأدية الأعمال بواسطة الآلات/الماكينات الكهربائيّة).

4- عدم الاحتفال بالزخرف البلاغيّ:
وهو من مستلزمات الكتابة العلميّة. الكاتب هنا لا يعمد إلى استخدام الصور البيانيّة، أو إلى المحسّنات البديعيّة (سوى حالة تجنيس واحدة وردت في الفقرة الثامنة، ويمكن الافتراض أنّها تلقائيّة، وذلك في قوله: ..."أن يمنع كما كان يمنح"...)؛ فالكاتب بحاجة إلى التحليل لا إلى الخيال، ولا إلى إبراز المقدرات البلاغيّة.

5- التمثيل:
ويستخدمه لتوضيح بعض الأفكار والحقائق. على سبيل المثال، حين يذكر "تَمَكْيُن" بيوت الولايات المتّحدة (والولايات المتّحدة ذاتها تُذكَر من باب التمثيل أيضًا) يوضّح ذلك بأمثلة من الأعمال المنـزليّة التي أصبحت هناك تؤدَّى بالآلات الكهربائيّة: الطبخ؛ الغسل؛ التدفئة والتبريد؛ الاتّصال (بالهاتف).

مقتبَسات:
1- أُخِذت المرأة من جانب الرجل لتكون متساوية، ومن تحت ذراعه لكي يحميها، وقرب قلبه لكي يحبّها ويحترمها؛ ولم تؤخذ من رأسه لئلاّ تَرْأَسه، ولا من قدمه لئلاّ يدوسها.

2- أَرفضُ العالَمَ الذي يَعتبر المساواةَ والعدالةَ خطيئةً، وأخاف العالَمَ الذي يستبدل التمييز بتمييز جديد. [الكاتب التشيكوسلوفاكي لاديسلاف فريدل]

3- يرفع الشعبَ فريقانِ: إناثٌ وذكورُ
  وهل الطائر إلاّ ++ بجناحيه يـطيرُ؟! [معروف الرصافي]

4- إذا ارتكب رجلٌ حماقةً قالوا: ما أحمق هذا الرجل! وإذا ارتكبت امرأةٌ حماقةً قالوا: ما أحمق النساء!

5- إنّ شعار تحرير المرأة، في ظلّ مجتمع مستغِلّ ومقموع، وبمعزل عن تحرير المجتمع ككلّ، يؤدّي إلى افتعال معارك وهميّة تستنـزف الكثير، وبالتالي يؤخِّر التحريرَ الحقيقيّ للمرأة، أو قد يقود إلى جملة من المظاهر والسلوك من شأنها توهُّمُ الخصم، لا تحديدُهُ حقيقةً وفعلاً...

يجب مواجهة المجتمع المتخلّف ككلّ، واعتباره كلاًّ لا يمكن ولا يجوز اختصاره بعدد من الشعارات التي قد تبدو مغرِية؛ كما لا يمكن تجزئة هذا المجتمع، والافتراض أنّه يستطاع الوصول إلى تحرير المرأة بمعزل عن الرجل أو بمناوأته.

إذ من خلال مواجهة التخلّف، ومقاومة القمع، وعن طريق الرجال والنساء معًا، يمكن تحرير المرأة من خلال تحرير المجتمع، والعكس غير ممكن.

إنّ خصم المرأة ليس أباها أو أخاها، ليس الرجل لكونه رجلاً، وإنّما خصم المرأة هو المجتمع بقيمه وتقاليده وأغلاله، فكلّ أب، وكلّ أخ يريد لابنته أو لأخته الحرّيّة والرفاه، ولكن الذي يحول دون تحقيق ذلك هذا الكمّ الكبير من القيود والأعراف المسيطرة، وهذه الرقابة التي يفرضها المجتمع، ويمنع بالتالي على الأب أو الأخ توفير أو تحقيق الحدّ الأدنى من القتاعة التي يؤمن بها،...

... إنّ القمع في بلادنا، وفي بلاد كثيرة أيضًا، يأخذ شكلاً هرميًّا، إذ يبدأ من الأعلى ويتّجه نـزولاً، بحيث نلاحظ أنّ قسمًا كبيرًا من المقموعين يقمع مَن هم دونه، حتّى نصل إلى قاع الهرم الإنسانيّ، حيث نرى ناس القاع يقمعون الحيوانات، وينتقمون من الممتلكات العامّة، ولا يتردّدون في الإساءة إلى الطبيعة بأشجارها وآثارها وما تصل إليه أيديهم، ممّا لا يُعتبَر مُلكيّة خاصّة بهم.

... إنّ تحرّر المرأة يعتمد، بالدرجة الأولى، على أن تكون منتِجة، بالمعنى المتعارَف عليه، أي أن يكون لها دخل، لأنّ هذا يمكّنها من الاستقلال في اتّخاذ الموقف بحُرّيّة ومسؤوليّة، دون أن تكون واقعة تحت تهديد حرمانها من لقمة الخبز.

كما أنّ التحرّر الاقتصاديّ المقرون بالوعي، بالانسجام مع حركة المجتمع، يجنّب المرأةَ العزلةَ، ويحشد أكبر القوى من أجل التحرّر الفعليّ، والذي يُعتبَر في النتيجة كسبًا للمجتمع كلّه، بما فيه المرأة.

[من مقالة "المرأة...، سؤال فيه بعض التحدّي الجميل والخطِر!"، من كتاب عبد الرحمن منيف بين الثقافة والسياسة].