فنون الزخرفة المعمارية في القصور الأموية:
اعتنى الأمويون اهتماماً بالغاً بتزيين قصورهم ومنشآتهم المعمارية، فاستخدموا مجموعة واسعة من التقنيات والمواد الزخرفية التي عكست التطور والامتزاج الثقافي الذي ميز عصرهم. ويمكن تقسيم هذه الزخارف إلى تقنيات بارزة ظهرت في مواقع مختلفة، بالإضافة إلى استحداث وتطويع عناصر زخرفية جديدة.
أولاً: تقنيات ومواد الزخرفة الرئيسية
1. الجص البارز المنقوش في القصور:
- الاستخدام والانتشار: مثل الجص (الجبس) المادة الزخرفية الأكثر شيوعاً واستخداماً على نطاق واسع في زخرفة القصور الأموية، وذلك لسهولة تشكيله ونقشه.
- أمثلة بارزة: ظهرت أروع أمثلته في قصور مثل "خربة المفجر" (قصر هشام)، حيث كشفت التنقيبات عن زخارف جصية غنية بالتفاصيل.
عناصر الزخرفة: تميزت هذه الزخارف بتنوعها وشمولها لـ:
- العناصر الآدمية والحيوانية: ظهرت صور للبشر والحيوانات، مما يدل على انفتاح الفن الأموي في هذه المرحلة وتأثره بالفنون السابقة والمجاورة.
- الزخارف الهندسية والنباتية: شملت أنماطاً متكررة ومتقاطعة، بالإضافة إلى تفرعات الأغصان والأوراق التي كانت أساساً في الفن الإسلامي.
2. النقش على الحجر (الحفر الحجري):
- التميز الفني: يُعد النقش على الحجر من الفنون التي وصلت إلى درجة عالية من الإتقان والجمال في العصر الأموي، وتظهر براعته بشكل خاص في الواجهات الخارجية.
- واجهة قصر المشتى كنموذج استثنائي: تُعتبر واجهة قصر المشتى (في الأردن حالياً) من أجمل وأشهر الأمثلة على النقش الحجري الأموي. ولأهميتها الاستثنائية، تم نقل جزء كبير من الواجهة الحجرية وعرضها حالياً في متحف الدولة في برلين.
ثانياً: تحليل تفصيلي لزخارف واجهة قصر المشتى
تتميز واجهة قصر المشتى بتنظيم دقيق لزخارفها المحفورة في الحجر ضمن إطار أفقي ممتد على طول الواجهة الرئيسية.
1. التقسيم الهندسي للواجهة:
- الإطار الزخرفي: ينحصر تصميم الواجهة في إطار أفقي ضخم ممتد.
تقسيم السطح: تم تقسيم سطح هذا الإطار إلى أربعين مثلثاً متماثلاً باستخدام شريط متعرج ذي زوايا حادة.
- الترتيب: عشرون مثلثاً تتجه قاعدتها نحو الأسفل، وعشرون مثلثاً في وضع عكسي تتجه قاعدتها نحو الأعلى.
- العنصر المركزي: يتوسط كل مثلث زخرفة بارزة على شكل وردة كبيرة، تُحيط بها نقوش قوامها مراوح نخيلية (Palmette) وأزهار اللوتس.
2. التباين في العناصر الزخرفية (المجموعتان):
تنقسم زخارف الواجهة بوضوح إلى مجموعتين رئيسيتين، مما يشير إلى منهجية تصميمية مدروسة:
المجموعة الأولى (يسار المدخل):
- الخصائص: تتميز بوجود رسوم لكائنات حية.
- العناصر: تضم صوراً لحيوانات طبيعية وخرافية (كالأسود والجريفوونات)، بالإضافة إلى أوانٍ مزهرية تخرج منها فروع نباتية، وظهور طيور صغيرة محصورة بين سيقان نباتات العنب.
- المجموعة الثانية (يمين المدخل):
- الخصائص: تخلو تماماً من أي رسوم لكائنات حية (حيوانات أو طيور).
- العناصر: تقتصر الزخرفة على العناصر النباتية، حيث نُقشت تفريعات سيقان العنب بطريقة مجردة وأكثر نمطية، بعيدة عن التصوير الطبيعي.
ثالثاً: العناصر الزخرفية المستحدثة والمقتبسة
أظهر الفن الأموي قدرة على الاقتباس والتطوير، مما أدى إلى ظهور وحدات زخرفية جديدة ذات طابع إسلامي مميز.
1. المراوح النخيلية (Palmette) وأزهار اللوتس:
- الأصل الساساني: يُعد الساسانيون (الإمبراطورية الفارسية السابقة) هم أول من استخدم وحدات المراوح النخيلية وأنصافها في زخارفهم.
الاقتباس والتطوير الأموي:
- اقتبس الفنانون المسلمون هذه الوحدات في بداية الأمر بدون تطوير كبير.
- ولكنهم شرعوا في تحويرها تدريجياً بمرور الوقت، فتمت إعادة تشكيلها وتجريدها مما أدى إلى ظهور وحدة زخرفية مبتكرة إسلامية الطابع، أصبحت عنصراً أساسياً في فن الزخرفة الإسلامية.
2. الحيوانات المجنحة:
- الأصل الفارسي: كان استخدام وحدات الحيوانات المجنحة في فن العمارة والديكور أسلوباً فارسياً تقليدياً.
- الانتشار: لم يكن هذا الأسلوب معروفاً أو مستخدماً في بلاد الشام (سوريا الكبرى) قبل العصر الأموي، مما يدل على استيراد هذا العنصر نتيجة التفاعل الثقافي مع الشرق.
3. الزخارف الكتابية (النقوش الخطية):
- الابتكار الأموي: من أهم الزخارف الإسلامية المبتكرة التي أدخلها الأمويون إلى ميدان الزخرفة المعمارية هي الزخارف الكتابية.
- اكتشاف بارز: من أبرز الأمثلة على ذلك نقش زخرفي وُجد على تاج عمود اكتشف في بركة قصر الموقر عام 1954م.
- المحتوى: يحمل النص اسم "عبدالله يزيد"، الذي يُرجح أنه يشير إلى أمير مؤمنين أموي (ربما يزيد الثاني أو الثالث). هذا الاستخدام للنص كعنصر زخرفي يُعد نقلة نوعية في الفن الإسلامي.
