توسيع الديمقراطية في مجال التربية والتعليم.. جعل المدرسة العمومية إطارا لتكافؤ الفرص وتمكين المتعلمين من الاستفادة من المستجدات البيداغوجية والمعرفية والتكنولوجية الموظفة في المجال التربوي

إن صدقية القضايا المرتبطة بالإصلاح التربوي لا تنحصر في إدراك وجهها السلبي أو الإقرار بطابعها الإيجابي، بل هذه الصدقية ماثلة كذلك في كونها جزءا أساسيا من الرهانات المتمركزة حول مجال التربية والتكوين وحول الدور الذي يتعين أن تلعبة المدرسة المغربية في الحال والمستقبل.

ومن هنا يظل الرهان كيانا ديناميكيا تؤسسه وتغيره جملة من الحوافز والمكاسب والإكراهات التي يعيشها المجتمع المغربي في الوقت الحاضر، والتي تظهر ملامحها الهامة في التعبيرات الموضوعية التي يقر بها أغلب الملاحظين والدارسين.

وعلى أساس هذا الفهم إذن، يمكن اعتبار النزوع الحاصل في المغرب إلى بناء وترسيخ الاختيار الديمقراطي في معالمه الدستورية والمؤسساتية والتنظيمية والسياسية مدخلا لتكريس وتوسيع الديمقراطية في مجال التربية والتعليم، والتي تتمثل معالمها الكبرى في جعل المدرسة العمومية إطارا لتكافؤ الفرص وتمكين المتعلمين ـ مهما كانت الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها، ومهما كانت المنطقة التي ينحدرون منها أو يقطنونها ـ من الاستفادة من المستجدات البيداغوجية والمعرفية والتكنولوجية الموظفة في المجال التربوي.

كما أن نزوع الدولة والمجتمع في المغرب إلى الإقرار بالتنوع والتعدد المميزين لمشهدنا الثقافي، يمكن أن يكون آلية قوية تجعل المدرسة مؤهلة لخدمة هذا التنوع والنهوض به، واستثماره لتقوية وإغناء مساحات الإبداع وحقوله وشحذ الطاقات الخلاقة وتنميتها وجعل التعدد الثقافي قاطرة لتدعيم وحدة المجتمع وتوفير المكان الملائم لكل الرموز وأشكال التعبير داخل فضاء هذه الوحدة.

وإذا كانت أهم مكونات النسق المغربي تتجه اليوم إلى اعتبار المبادرة الحرة ضرورة من ضرورات التنمية، وجعلها علامة مميزة للمشهد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومرتكزا لابتكار الثروات المادية والرمزية وتوسيعها، فإن مفهوم المبادرة يظل ـ مع ذلك ـ ملفوفا بكثير من الالتباس، وخاليا من الاعتبارات البيداغوجية والقيمية الكفيلة بترقية كل المبادرات الجيدة وتعزيزها.

إننا في حاجة اليـوم ـ وضمن نفس السياق بطبيعة الحال ـ إلى المبادرة القادرة على تقوية قيم المنافسة الشريفة ونبذ سلوك الاحتكار والاستئثار، وعلى تدعيم مبدأ المشاركة والتضامن ودحض منطق الإقصاء، ناهيك عن المبادرة الساعية إلى توسيع مساحات الإتقان والجودة وتعطيل مفعول الهشاشة والتردي.

إن للمدرسة في هذا المنحى دورا رياديا لا يمكن التغاضي عنه أو إرجاؤه إلى حين، وهو دور قادر على تنمية مفهوم المبادرة الحرة في معانيها المعرفية والقيمية السامية والخلاقة، وتكريس المنوال التربوي الكفيل بإغناء سلوك العطاء والإبداع والمنافسة في مضمار التحصيل والتعلم ويحقق إمكانيات التأهيل للأدوار الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي ينتظرها المجتمع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال