تاريخ معاداة الجاليات اللبنانية في أفريقيا الغربية: من السياسة إلى العنصرية المنظمة
تتناول هذه المادة تاريخ الحملات العدائية التي استهدفت الجاليات اللبنانية في غرب أفريقيا، وكيف تطورت هذه الحملات من مجرد خلافات سياسية إلى اتهامات ممنهجة تصل إلى حد التخوين والإرهاب، مع التركيز على دور القوى الاستعمارية السابقة في تأجيج هذه العداوات.
الجذور السياسية للحملات العدائية:
بدأت الحملات العدائية ضد اللبنانيين في غرب أفريقيا بعد فترة قصيرة من حصول لبنان على استقلاله. كانت هذه الحملات تحمل غطاءً سياسيًا، حيث اتُهم اللبنانيون بميولهم الاستقلالية، وهو ما لم تغفره لهم القوى التي كانت تعارض استقلالهم. وقد تطورت هذه الحملة إلى تنظيم ممنهج شمل:
- تأسيس جمعيات وصحف: تم إنشاء صحيفة وجمعيتين كان هدفهما الوحيد مهاجمة اللبنانيين والدعوة لطردهم بشكل كامل، مما يبرز حجم العداء المنظم.
- استمالة الرأي العام: نجح القائمون على هذه الحملة في تنظيم احتجاجات واسعة، واستقطاب بعض القادة السياسيين، بالإضافة إلى استمالة قطاعات واسعة من المواطنين الأفارقة للمشاركة في هذه الحملة.
هذه الحملات لم تتوقف إلا بعد تدخل دبلوماسي من وزارة الخارجية اللبنانية، ودعم من الصحافة اللبنانية، وتشكيل لجان خاصة لمساعدة اللبنانيين في غرب أفريقيا.
عودة الحملات العدائية عام 1955: دور الجامعة العربية والقومية
تجددت الحملات العدائية ضد اللبنانيين عام 1955، ولكن هذه المرة كان التبرير سياسيًا جديدًا. فبعد أن صوت لبنان لصالح استقلال المغرب في الأمم المتحدة وساهم في جمع تبرعات للحركة الوطنية المغربية، اتُهم اللبنانيون في غرب أفريقيا بـ**"الترويج لجامعة الدول العربية"** و**"الميل للقومية العربية"**. هذه التهم أدت إلى استئناف الحملات ضدهم، مما يدل على أن أي موقف سياسي للبنان في الخارج كان ينعكس سلبًا على جالياته في القارة الأفريقية.
دور الاستعمار في تأصيل العداوة:
حتى بعد استقلال دول غرب أفريقيا في عام 1960، لم يتغير الموقف العدائي تجاه اللبنانيين. فالاستعمار، وخاصة الفرنسي، لم ينسحب إلا بعد أن رسخ ثقافته وقيمه، ومن بينها ثقافة العداء تجاه الجاليات اللبنانية. وقد تولى "مثقفون وصحافة أوروبية، خاصة الفرنسية"، مهمة ترسيخ هذه العداوة وتجديدها، حيث نجحت في:
- تحميل اللبنانيين مسؤولية المشاكل: تم اتهام الجاليات اللبنانية بالسيطرة على ثروات البلاد، وتقديم الرشاوي للمسؤولين، وتسهيل التهريب والدعارة المنظمة، بل وصل الأمر إلى اتهامهم بالإرهاب والمشاركة في الانقلابات السياسية.
- استغلال حوادث فردية لتعميم الاتهامات: تم استغلال حوادث معزولة، مثل العثور على أسلحة مع مهاجر لبناني في ساحل العاج أو اعتقال لبناني بتهمة الإرهاب في فرنسا، لتبرير اتهام الجالية بأكملها بالإرهاب وتمويل جماعات مثل "أمل" و**"حزب الله"**.
- ربط اللبنانيين بالسياسات الحكومية: حتى التعبير عن رأي سياسي فردي، مثل رفض رجل أعمال لبناني لسياسة رئيس سيراليون عام 1986، تم تفسيره على أنه دليل على أن الجالية اللبنانية تمول الأنظمة الرجعية لحماية مصالحها.
الثمن الباهظ الذي دفعه اللبنانيون:
كانت هذه الحملات العدائية تترجم إلى خسائر مادية فادحة، حيث أصبحت الممتلكات والمؤسسات الاقتصادية للبنانيين هدفًا سهلًا للنهب والتخريب خلال أحداث الشغب والاضطرابات السياسية. وقد شهدت دول مثل ليبيريا (1989)، والجابون (1985)، ومالي (1991)، والسنغال (1989)، وساحل العاج (1999 و2002-2004) حوادث نهب واسعة استهدفت ممتلكات اللبنانيين.
هذه الأحداث تظهر أن الحملة ضد اللبنانيين لم تكن مجرد آراء، بل كانت لها عواقب مباشرة ومؤلمة على حياتهم وممتلكاتهم.