الصفات الجائزة في حق الله تعالى: فهم شامل للأفعال الإلهية الاختيارية
يُعد فهم صفات الله تعالى من أهم أسس العقيدة الإسلامية، فهو يُعين المؤمن على إدراك عظمة الخالق وكماله المطلق. تنقسم صفات الله تعالى في علم العقيدة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الصفات الواجبة، الصفات المستحيلة، والصفات الجائزة. يركز هذا النص على القسم الأخير، وهو الصفات الجائزة، موضحًا معناها، أمثلتها، ووجه التميز فيها عن باقي الأقسام.
تعريف الصفات الجائزة: الكمال المطلق والتصرف المطلق
الصفات الجائزة في حق الله تعالى هي تلك الصفات التي تُعبر عن أفعال الله سبحانه وتعالى الاختيارية، والتي يجوز له فعلها وتركها على حد سواء، دون أن يترتب على وجود هذه الأفعال أو عدمها أي نقص في كماله المطلق أو عيب في ذاته العلية. بعبارة أخرى، إن هذه الأفعال لا تُوجب شيئًا على الله، ولا تُلزمه بفعلها، وهي دليل على كمال قدرته وإرادته المطلقة. فله الحق الكامل في التصرف في ملكه بما يشاء، وكيف يشاء، دون أن يُحاسب أو يُسأل عن أفعاله، لكمال حكمته وعلمه.
أمثلة تفصيلية على الصفات الجائزة
تتعدد الأمثلة على الصفات الجائزة، وهي تشمل جميع أفعال الله تعالى التي لا تُعد من صفات ذاته الأزلية القائمة به، وإنما هي من قبيل أفعاله التي يُحدثها في الوجود بإرادته ومشيئته:
- الخلق: قدرة الله تعالى على إيجاد الكون وما فيه من مخلوقات من العدم، أو إيجاد شيء من شيء. يجوز له أن يخلق أو لا يخلق، كما يقول تعالى: "اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" (سورة الأنعام: 101)، وهذا يدل على كمال قدرته وإبداعه، وليس نقصًا لو لم يخلق.
- الرزق: قدرة الله على توفير الأقوات والأرزاق لجميع خلقه، بتقدير ومشيئة منه. يرزق من يشاء بقدر ما يشاء، ويُضيق على من يشاء، "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا" (سورة هود: 6). هذا الفعل اختياري، فالله لا يُجبر على رزق أحد.
- الإحياء: قدرة الله على بعث الأرواح في الأجساد، سواء عند الولادة أو بعد الموت، "وَاللَّهُ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" (سورة الروم: 50). فهو يحيي من يشاء متى يشاء، ولا يُلزمه شيء بذلك.
- الإماتة: قدرة الله على إزهاق الأرواح وإنهاء الحياة، "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" (سورة آل عمران: 185). هذا الفعل أيضًا اختياري، فلو شاء لأبقى الخلق أحياء، ولكن حكمته اقتضت الموت.
- الثواب (الجزاء الحسن): قدرة الله على مجازاة المحسنين والصالحين بما وعدهم به من جنات ونعيم، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" (سورة الشورى: 25). تفضله بالثواب هو محض جود منه وكرم، وليس واجبًا عليه.
- العقاب (الجزاء السيئ): قدرة الله على مجازاة المسيئين والكافرين بما توعدهم به من عذاب وعقاب، "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" (سورة المائدة: 10). عدله وحكمته يقتضيان العقاب، ولكنه ليس مجبورًا عليه.
- فعل الصلاح والأصلح للخلق: هذا المفهوم يُشير إلى أن الله تعالى يفعل ما فيه صلاح للعباد، ولكن لا يترتب على ترك فعل الأصلح نقص في حقه. فليس واجبًا عليه أن يفعل الأصلح لعباده، لأنه مالك الملك ويتصرف فيه بما يشاء، وكمال حكمته وعلمه يضمنان أن أفعاله كلها خير وصلاح، وإن خفي ذلك على العقول البشرية.
التمايز بين الصفات الجائزة، الواجبة، والمستحيلة:
للتأكيد على الفهم الصحيح لصفات الله تعالى، من الضروري التمييز بين أقسامها الثلاثة:
- الصفات الواجبة في حق الله تعالى: هي الصفات التي لا يتصور العقل عدم وجودها في حق الله، ويترتب على عدمها نقص يستحيل عليه تعالى. هذه الصفات هي من كمال ذاته الأزلية، مثل: العلم المطلق، الحياة الأبدية، القدرة التامة، السمع، البصر، الكلام، الإرادة، والوجود ذاته.
- الصفات المستحيلة في حق الله تعالى: هي تلك الصفات التي يستحيل وجودها في حق الله تعالى، ويترتب على وجودها نقص وعيب يتنافى مع كماله المطلق. هذه الصفات هي أضداد الصفات الواجبة، مثل: الجهل، الموت، العجز، الصمم، العمى، البكم، الكره (ضد الإرادة)، والعدم.
- الصفات الجائزة في حق الله تعالى: كما ذكرنا سابقًا، هي الصفات التي لا يترتب على وجودها أو عدمها نقص في حق الله تعالى. إنها تُعبر عن مطلق مشيئته وقدرته على التصرف في ملكه.
ملاحظات جوهرية حول الصفات الجائزة
لفهم أعمق للصفات الجائزة، يجب مراعاة النقاط التالية:
- لا حصر لصفات الله تعالى الجائزة: فكل فعل يفعله الله تعالى من تصريف الكون، وتدبير الخلق، وإيجاد الأشياء وإعدامها، هو من قبيل الصفات الجائزة. لا يمكن للإنسان أن يُحصي جميع أفعال الله، لأنها لا نهاية لها.
- تخضع أفعال الله تعالى الجائزة لإرادته المطلقة: فالله لا يُسأل عما يفعل، وهو يفعل ما يشاء وكيف يشاء. إرادته غير مُقيدة بأي شيء، ولا يُجبره أحد على فعل شيء أو تركه. إنها دليل على كمال سيادته على الكون.
- على المؤمن أن ينزه الله تعالى عن جميع النقائص وأن ينسب إليه كل صفات الكمال: هذا هو لب الإيمان بالصفات الإلهية. فالمؤمن الحق يُوقن بأن الله منزه عن كل عيب ونقص، وأنه متصف بكل كمال وجلال، بما في ذلك كمال التصرف والاختيار في أفعاله.
خاتمة:
إن الإيمان بصفات الله تعالى، بما فيها الصفات الجائزة، يُشكل ركنًا أساسيًا من أركان الإيمان الإسلامي. يتوجب على كل مؤمن أن يتعلم هذه الصفات ويتدبرها، لا ليزداد معرفة فحسب، بل ليزداد إيمانًا وتقوى وخشوعًا لله تعالى، وأن يُسلم لحكمته المطلقة في كل أفعاله. هذا الفهم يُعزز العلاقة بين العبد وربه، ويُثبت في القلب اليقين بأن الله هو المتفرد بالكمال المطلق، القادر على كل شيء، المتصرف في ملكه بما يشاء، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.
الصفات الجائرة في حقه تعالى
ردحذف