جدلية الـ'أنا' والـ'آخر' في الكلمة الموزونة: استكشاف التحول من الوجداني الذاتي إلى التجسيد الموضوعي في ضوء ريادة الشعر المسرحي العربي

التجربة الشعرية: جدلية الذات والموضوع

تُعدّ التجربة الشعرية هي جوهر القصيدة ووقود الإبداع، وهي بمثابة الوعاء الفني الذي يصبّ فيه الشاعر إحساسه ورؤيته للعالم. تتأرجح هذه التجربة بين قطبين رئيسيين هما الذاتية والموضوعية، ولكل منهما سماته وبنيته الخاصة.


1. الشعر الذاتي (الوجْداني): صوت الشاعر وتعبيره الشخصي

إن القصيدة الذاتية هي في الأساس تعبير فني عن رواية الشاعر الخاصة والعميقة. هي ترجمة لحالته النفسية أو الفكرية، حيث تكون التجربة المنقولة قد عُزلت وشُوهدت من منظور الشاعر الفردي.

  • الجوهر: ينطلق الشاعر من داخله؛ من انفعال خاص، أو تجربة فردية عاشها، أو موقف شخصي أثّر فيه. الشاعر هنا هو البؤرة التي تنكسر عليها وتنعكس منها أحداث العالم.
  • عناصر العلاقة: يتميز الشعر الذاتي بوجود علاقة ثنائية أو ثلاثية الأطراف تنصهر فيها التجربة:

  1. التجربة الإنسانية (أو الحدث): وهي المادة الخام التي يعالجها الشاعر (كالحب، الفقد، التأمل في الطبيعة، اليأس).
  2. الرؤية الذاتية للشاعر (أو الانفعال): وهي فلتر الشاعر الخاص؛ كيف يفسر، يشعر، وينفعل بالحدث. هذا هو البُعد الشخصي والفريد للقصيدة.
  3. المتلقي: هو الطرف الذي يتلقى هذا التعبير الوجداني، فيتعاطف معه ويتشارك الشاعر في الشعور، رغم أن التجربة كانت في الأصل فردية.

الشعر الذاتي هو السائد في معظم فترات الشعر العربي الحديث، ويمثله بشكل واضح شعراء التيارات الرومانسية (كالديوان، وأبولو، والمهجر).


2. الشعر الموضوعي: التجسيد عبر الوسائط السردية

في المقابل، يبتعد الشعر الموضوعي -أو التجسيدي- نسبيًا عن البوح المباشر للسيرة الذاتية للشاعر. هنا، يتخذ الشاعر وسيلة لتغليف تجربته وانفعاله الشخصي وإخفائها وراء قناع أو شخصية أو إطار سردي خارجي.

  • تدخل العلاقة الرابعة (الإطار الموضوعي): في هذا النمط، تتدخل علاقة رابعة أساسية كوسيط بين الشاعر وتجربته والمتلقي، وهي اللجوء إلى القصة، أو الملحمة، أو المسرحية، أو قصيدة القناع (Monologue).
  • دورها: هذه الوسائط السردية لا تحمل التجربة فحسب، بل تجسدها وتضعها في سياق درامي أو قصصي يمنحها بُعدًا كونيًا أو تاريخيًا أو اجتماعيًا أوسع. الشاعر ينقل انفعاله لكن من خلال لسان شخصية تاريخية أو أسطورية، مما يضيف عمقاً وبعداً موضوعياً للرسالة.

إضافة هامة: الشعر المسرحي نموذجًا

يُعد الشعر المسرحي (أو الدراما الشعرية) أحد أبرز أشكال الشعر الموضوعي. وهو يتطلب من الشاعر أن يتخلى عن مركزيته الذاتية ليمنح الحياة والأصوات لشخصيات مختلفة على خشبة المسرح.

  • الريادة العربية: يُسجّل التاريخ الأدبي ريادة الشاعر الكبير أحمد شوقي بصفته أول من أدخل الشعر المسرحي إلى ساحة الإبداع العربي الحديث بصورة متكاملة، وذلك من خلال مسرحياته الشعرية التي عالجت قضايا تاريخية ودرامية كبرى (مثل مصرع كليوباترا، ومجنون ليلى). هذا الفن أسهم بشكل كبير في إثراء الشعر العربي الحديث ونقله من حيز الذات إلى آفاق أوسع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال