المماثلة والتعاقد الديداكتيكي: أدوات استراتيجية لتيسير التعلم وتعميقه
يُمثل الشرح والتفسير جوهر العملية التعليمية، وقد شهدت هذه العملية تطوراً مستمراً في تقنياتها. من أبرز هذه التقنيات الحديثة تبرز المماثلة (Analogy) كأداة معرفية فعالة، إلى جانب مبدأ التعاقد الديداكتيكي (Didactic Contract) كإطار تنظيمي يضمن سير العملية التعليمية بفعالية وشفافية.
أولاً: المماثلة في الشرح والتفسير (Analogy)
تُعرف المماثلة كتقنية تعليمية حديثة تقوم على مقارنة مفهوم جديد أو مجرّد بمفهوم آخر مألوف ومحسوس لدى المتعلم. الهدف الأساسي هو بناء جسر معرفي يربط بين ما هو مجهول وما هو معروف سلفاً، مما يسهل عملية الإدراك والفهم.
فوائد المماثلة في العملية التعليمية:
- تسهيل الفهم وتسريعه: المماثلة تربط المفاهيم الجديدة والمعقدة بأخرى مألوفة من الخبرة السابقة للمتعلم، مما يجعل الفهم أسهل وأسرع، ويقلل من الجهد الذهني المبذول لاستيعاب المادة.
- تعزيز الذاكرة والاسترجاع: ربط المعلومة الجديدة بصور وأمثلة مألوفة أو قصص مثيرة للذاكرة يعمل على تثبيت المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد. الصور الذهنية الناتجة عن المماثلات تسهل عملية الاستذكار والاسترجاع لاحقاً.
- إثارة الاهتمام والمشاركة: استخدام مماثلات مبتكرة ومثيرة للاهتمام ينجح في جذب انتباه المتعلم ويحفز فضوله المعرفي، مما يجعله أكثر تفاعلاً ونشاطاً مع محتوى الشرح، ويخرج العملية التعليمية عن الروتين.
محاذير الاستخدام المفرط وغير الدقيق للمماثلة:
بالرغم من قوتها، فإن المماثلة سلاح ذو حدين يتطلب حذراً بالغاً في التطبيق لتجنب الآثار السلبية:
- خطر التشويش والإلهاء: قد تؤدي المماثلات التي لا تكون دقيقة بشكل كافٍ أو التي يتم المبالغة فيها إلى تشويش ذهن المتعلم، حيث يبدأ في التركيز على أوجه الشبه الخاطئة أو غير ذات الصلة، مما يلهيه عن الهدف الأساسي للمفهوم المشروح.
- التسطيح وفقدان العمق: قد تعمل المماثلة على تبسيط المفاهيم المعقدة بشكل مبالغ فيه، لدرجة أنها تُفقد المفهوم عمقه ودقته العلمية، مما يؤدي إلى فهم سطحي غير مكتمل.
- الإعتمادية وعرقلة التفكير المستقل: قد يعتاد المتعلم على تلقي المعرفة مربوطة دائماً بصورة مألوفة، مما يؤدي إلى الإعتمادية على المماثلات. هذا يعيق نمو قدرته على التفكير النقدي، وتحليل المعلومات، وبناء فهم مستقل للمفاهيم المجردة دون مساعدة خارجية.
ثانياً: التعاقد الديداكتيكي (Didactic Contract)
التعاقد الديداكتيكي هو مفهوم تعليمي يمثل قانون استراتيجي أو اتفاق ضمني وصريح يحكم التفاعلات داخل أي وضعية ديداكتيكية (تعليمية). هذا العقد يحدد بدقة العلاقة بين أطراف العملية التعليمية الثلاثة: المدرس، المتعلم، والمعرفة (المحتوى التعليمي).
وظيفة التعاقد الديداكتيكي وخصائصه الجوهرية:
يحدد هذا التعاقد الأدوار والمسؤوليات والتوقعات لكل طرف، مما يضمن الشفافية والفعالية:
- تحديد الموقع والمسؤولية: يوضح التعاقد موقع المدرس (كموجّه ومسهّل) وموقع المتعلم (كمشارك وباحث عن المعرفة)، ويحدد مستويات المسؤولية الموكلة لكل منهما تجاه المحتوى التعليمي.
- مشاركة المتعلم في إعداد المحتوى: يقتضي التعاقد الديداكتيكي الفعال إشراك المتعلم في عملية إعداد المحتوى التعليمي أو على الأقل جعله على دراية بالخطوات والأهداف، مع استبعاد مفاجأته بتقديم درس أو مهمة دون إطار واضح.
- الارتكاز على المعرفة السابقة (الانطلاق من الخبرة): يجب أن ينطلق التعاقد من المعرفة السابقة (Prior Knowledge) للمتعلم كنقطة بداية، وصولاً إلى الأهداف والمعارف الجديدة المرجوة، مما يعزز البناء المعرفي السليم.
- تبني طرائق التدريس الفعالة: يفرض التعاقد على المدرس تبني طرائق تدريس فعالة ونشطة في التنفيذ (كالعمل الجماعي، وحل المشكلات) التي تحفز المتعلم على التفاعل، والابتعاد عن الطرق التلقينية السلبية.
- اعتماد أساليب التقويم الحديثة: يجب أن يرتكز التعاقد على أساليب تقويم حديثة وشاملة تقيس الفهم والمهارات، والابتعاد عن أساليب الاختبارات التقليدية التي تركز فقط على الحفظ والاستذكار.
أهمية وضوح التعاقد الديداكتيكي للمتعلم:
يُساهم الوضوح التام في بنود التعاقد الديداكتيكي في تحقيق بيئة تعليمية إيجابية ومُحفزة:
- تجنب الحالات الانفعالية السلبية: عندما لا يفهم المتعلم ما يتوقعه المدرس أو هدف الدرس، قد يعاني من مشاعر القلق، والإحباط، وعدم الأمان. وضوح التعاقد يزيل هذا الغموض ويجنب المتعلم هذه الحالات الانفعالية السلبية.
- تجنب التعثر والفشل الدراسي: الوضوح في تحديد الأهداف والمعايير والمسؤوليات يساعد المتعلم على توجيه جهده بشكل صحيح، والعمل بفعالية لتحقيق النتائج المرجوة، مما يقلل بشكل كبير من حالات التعثر أو الفشل الدراسي.
خلاصة القول: تُعد المماثلة أداة قوية لتيسير الفهم وتنشيط الذاكرة، ويجب استخدامها بمهارة وحذر لتجنب مخاطر التسطيح. وفي الوقت نفسه، يمثل التعاقد الديداكتيكي إطاراً تنظيمياً لا غنى عنه لضمان وضوح الأدوار، وتحقيق المشاركة الفعالة، وضمان نجاح العملية التعليمية برمتها.
