الانتقادات الموجهة إلى الشعرية اللسانية باعتبارها انزياحا عن قانون اللغة.. غياب الاهتمام بالانزياحات المعجمية في تحديد بنية اللغة الشعرية والحضور المزدوج لدلالة المطابقة ودلالة الإيحاء هو الذي يحافظ على الالتباس الشعري

إن أهم الانتقادات التي وجهت إلى الشعرية اللسانية باعتبارها انزياحا عن قانون اللغة قد جاءت من البنيوية نفسها، ونستحضر في هذا المجال انتقادات جرار جينيت من خلال مقاله: "اللغة الشعرية وشعرية اللغة".

ينبغي التسجيل منذ البداية أن جنيت لا يقلل من أهمية نظرية الانزياح عند كوهن، سواء من حيث المنهج الذي توسل به الباحث أو من حيث الاستنتاجات التي توصل إليها، ومع ذلك فإنه يناقشه في بعض المواقف والآراء المتعلقة بالأسلوبية والبلاغة القديمة وتحولات الشعر الحديث.

ونكتفي هنا بإيراد اعتراضين اثنين:

1- غياب الاهتمام بالانزياحات المعجمية في تحديد بنية اللغة الشعرية، ومعلوم أن "بيير غيرو" أثبت وجود معجم شعري انطلاقا من دراسته لمتن شعري، وقارن معطيات هذا المعجم الشعري بتلك التي حصرها "فإن ديربيك Van Derbeke في اللغة العادية، وتكشف هذه المقارنة عن وجود انزياح معجمي واضح جدا.

2- إذا كان كوهن يؤكد أن غياب دلالة المطابقة شرط ضروري لظهور دلالة الإيحاء فإن جونيت يعترض على هذا الموقف ويرى أن الحضور المزدوج لدلالة المطابقة ودلالة الإيحاء هو الذي يحافظ على الالتباس الشعري في الصورة الحديثة أو الصورة الكلاسيكية.

ونفس الموقف نجده أيضا عند جماعة مو البلجيكية في عملها المشترك "بلاغة عامة Rhétorique générale"، فالواقعة الأسلوبية في نظر هذه الجماعة تستدعي استحضار ثنائية المعيار والانزياح في آن واحد.

فالاستعارة مثلا لا تشكل واقعة أسلوبية إلا بالاستحضار المتزامن للمعنى الحقيقي والمعنى المجازي، فالعلاقة بين الانزياح والمعيار هي التي تولد الفعل الأسلوبي وليس الانزياح وحده.

وانسجاما مع هذا التصور تميز جماعة مو بين نوعين من القراءة: قراءة عالمة تستحضر الاستعمال العادي والاستعمال الانزياحي في إنتاج الواقعة الأسلوبية في آن واحد وقراءة فجة وغير عالمة لا تستحضر إلا الدلالة الإيحائية وتلغي دلالة المطابقة.

ورغم هذه الانتقادات، فإن جنيت لا يرفض محتوى هذه النظرية، بل إنه يشيد بها في أكثر من موضع مضمونا ومنهجا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال