نظريات التعلم ونظريات التدريس:
تتمحور الفروق الأساسية بين المفهومين في وظيفة كل منهما؛ فنظريات التعلم هي نظريات وصفية تهدف إلى تفسير الآليات التي يحدث بها التغير في سلوك أو بنية المتعلم المعرفية (أي: كيف يتعلم الفرد؟)، وهي أشمل نطاقاً لأنها تتناول التعلم المقصود وغير المقصود. في المقابل، نظريات التدريس هي نظريات توصيفية إجرائية تهدف إلى توجيه عمل المعلم وتنظيم الموقف التعليمي (أي: كيف يجب أن نُدرِّس لإحداث التعلم؟)، وهي أضيق نطاقاً وتتركز على البيئة المنظمة. فبينما يمثل التعلم عملية ذاتية للمتعلم، يمثل التدريس نشاطاً تفاعلياً منظماً يهدف إلى توظيف مبادئ التعلم لتحسين الأداء التعليمي.
نظريات التعلم (Theories of Learning): الإطار النظري التفسيري
نظريات التعلم هي الأصل الذي انبثقت منه الممارسات التربوية. هدفها الأساسي هو الوصف والتفسير والتنبؤ بكيفية اكتساب الأفراد (البشر والحيوانات) للمعرفة، المهارات، والقيم.
1. طبيعة الوصف (Descriptive Nature):
نظريات التعلم هي نظريات وصفية (Descriptive). مهمتها هي:
- وصف الظاهرة: كيف يحدث التغير في السلوك أو البنية المعرفية للمتعلم.
- التفسير: لماذا يحدث التعلم بهذه الطريقة (مثلاً: نتيجة لربط مثير باستجابة، أو نتيجة لإعادة بناء المعرفة الداخلية).
- المحور: التركيز ينصب على العملية الذاتية الداخلية للمتعلم (Self-Process)؛ أي ما يدور داخل الفرد.
2. النطاق والشمولية (Scope and Generality):
- أشمل وأعمق: نظريات التعلم تتناول التعلم بصفته ظاهرة شاملة تحدث في جميع مراحل حياة الكائن الحي وفي كل مكان (منذ الولادة وحتى الوفاة)، سواء كان التعلم مقصوداً أو عَرَضياً.
- الظروف: تهتم بـالظروف النفسية والبيئية التي تؤدي إلى التعلم (مثل الدافعية، الانتباه، بيئة التعزيز، والنمو العقلي).
3. الناتج المتوقع (Outcome):
تُركز على المنتج النهائي للتعلم، وهو التغير الثابت نسبياً في السلوك أو المعرفة لدى المتعلم، وكيفية تقويم هذا التغير.
- أمثلة لنظريات التعلم: السلوكية (بافلوف، سكينر)، المعرفية (الجشطالت، معالجة المعلومات)، البنائية (بياجيه، فيجوتسكي).
نظريات التدريس (Theories of Instruction): الإطار التطبيقي المعياري
نظريات التدريس هي النتيجة التطبيقية لنظريات التعلم. هدفها الأساسي هو التوجيه والتوصيف والتحسين للممارسات التعليمية في المواقف المنظمة.
1. طبيعة التوصيف (Prescriptive Nature):
نظريات التدريس هي نظريات توصيفية أو معيارية (Prescriptive/Normative). مهمتها هي:
- التوجيه: تقديم إطار لوضع أفضل الإجراءات والطرق والأساليب لـإحداث التعلم بشكل فعال.
- التحسين: تسعى إلى تحسين أداء المعلم وكفاءة العملية التعليمية.
- المحور: التركيز ينصب على النشاط التفاعلي بين المعلم والمتعلم في موقف تعليمي منظم؛ أي ما يفعله المعلم.
2. النطاق والموقف (Scope and Context):
- أضيق وأكثر تخصصاً: تهتم بالتعلم في موقف منظم ومقصود يتضمن وجود معلم وأهداف محددة ومحتوى تعليمي.
- الإجراءات: تهتم بـإجراءات المعلم ومكونات العملية التعليمية (المتغيرات المدخلية، مثل: الأهداف والمحتوى؛ والمتغيرات الإجرائية، مثل: طرق الشرح والأنشطة).
3. هدفها الأساسي (Primary Goal):
تهدف إلى مساعدة المعلم في الإجابة على الأسئلة الرئيسية التي تواجه أي مخطط تربوي:
- لماذا نُدرّس؟ (الأهداف)
- ماذا نُدرّس؟ (المحتوى والتنظيم)
- كيف نُدرّس بأفضل طريقة؟ (الطرق والاستراتيجيات)
أمثلة لنظريات التدريس/نماذجها: نموذج برونر للتعلم بالاكتشاف، نموذج غانييه لشروط التعلم، ونظرية العبء المعرفي (Cognitive Load Theory) التي تقدم إرشادات للتدريس.
علاقة التكامل والاعتماد المتبادل:
على الرغم من الفروق، لا يمكن فصل النوعين، حيث:
- نظرية التدريس تعتمد على نظرية التعلم: المعلم لا يستطيع تصميم استراتيجية تدريسية ناجحة دون فهم كيف يتلقى المتعلم المعلومة ويعالجها (وهذا هو أساس نظريات التعلم).
- نظرية التعلم تحتاج لتطبيق عملي (التدريس): نظريات التعلم تظل مجرد أطر تفسيرية ما لم تُترجم إلى خطط وإجراءات وتطبيقات عملية (نظريات تدريسية) تُحسن من الواقع التعليمي.
- ملاحظة هامة: نظريات التعلم تصف السلوك، بينما نظريات التدريس تصف كيف نوظف هذا السلوك ونغيره لتحقيق الأهداف التربوية.
