توجه “ الشاه عباس “ بعد مذبحة الجورجيين الى تفليس ليصدّ حملة الجيش العثماني بقيادة الصدر الاعظم "محمد باشا" والذي ارسل من قبل السلطان احمد خان وكانت هذه الحملة تحركت بسبب استنجاد الأمير تهمورس خان حيث استقر الجيش العثماني بالقرب من بحيرة "كوكجة" وكان محمد باشا قد احكم سيطرته على مدينة ايروان دون ان يدري ان الجيش الايراني الصفوي يقوم بالتفاف حول جيشه ليجد نفسه محاصرا من قبل جنود الشاه عباس.
وقد حاول بادئ الامر ان يجرب القتال ليفك الحصار ولكنه بعد ذلك رجع عن قراره بعد مقتل اربعة الاف من جنوده لذا مد يده للصلح واعدا الشاه عباساً بإقناع السلطان بقبول سلام دائم بين الدولتين.
الا ان الحرب بقي سجالاً بين الدولتين وقد بقيت اذربيجان مسرحا للحرب بين الدولتين ففي تاريخ 1227 تقدم الجيش العثماني بقيادة خليل باشا وهو يقود 300 الف من الجنود العثمانيين.
بعد سماع قرجغاي خان (القائد العام للقوات الايرانية) بعدد وعديد الجيش العثماني اخبر على الفور الشاه عباساً مبينا بان الجيش الايراني لا يستطيع مقاومة جيش بهذه الضخامة.
لذا امر “ الشاه عباس “ اهالي تبريز بترك المدينة وامر جنوده باحراقها حتى لا تقع غنيمة بيد العدو، وقد فتحت سدود المدينة فغطى الماء أطراف المدينة.
تم فتح سد نهر "آجى" ليغمر الماء قرى تبريز بالماء وقد تم تخريب وهدم كل ما يستفيد منه الجيش العثماني متبعا سياسة "الارض المحروقة".
وقد انسحب “ الشاه عباس “ الى مدينة اردبيل في الوقت الذي ترك اهالي تبريز المدينة ليحملوا معهم ما استطاعوا حمله ليتوجهوا الى وسط ايران.
ولما كانت القوات العثمانية تزحف باتجاه العمق الايراني لتحتل تبريز وماحولها من المدن الصغيرة والقرى كان “ الشاه عباس “ ينسحب بسرعة تجاه مدينة اردبيل والتي وصلها يوم الثلاثاء 29 من شهر شعبان 1027 هـ وكانت الاخبار السيئة التي كانت تصل الى الشاه يزيده قلقا ، يذكر (ثيرولاولا) السائح الايطالي والذي كان متواجداً خلال هذه المرحلة الحرجة بمعية “ الشاه عباس “ في اردبيل:
لقد كان الشاه يعرف انه لن يستطيع ان يقاوم العثمانيين بالقوات التي كانت بمعيته لذا امر بنقل عظام اجداده الى اماكن بعيدة ومطمئنة خشية ان تتحول تلك القبور الى رماد بعد احتلال الترك للمدينة، في البدء تم هذا العمل بشكل سري حتى لا يفشي بين الناس الخوف والهلع ، وقد ارسل الشاه من اردبيل الى اطراف قزوين مقادير من الحرير والاشياء الثمينة وقد عمل بعض التجار أقتداءً بالشاه العمل نفسه حيث ارسلوا بضائعهم وممتلكاتهم الثمينة الى خارج المدينة.
مع طلوع فجر يوم الخميس 16 اغسطس 1618م (24 شعبان 1027) توجه جمعٌ من أكابر المدينة إلى منطقة بعيدة من مركز المدينة وتسمى "المصلى" يضحى فيها القرابين يوم عيد الاضحى ويجمع فيها الناس للصلاة والدعاء واجتمع هؤلاء في هذه المنطقة ليدعوا للشاه بالنصر على أعدائه..
في الوقت الذي كان يجري فيه السفير العثماني المباحثات غير المجدية مع “ الشاه عباس “ كان الجيش العثماني يسرع الخطا بعد استيلائه على تبريز من اجل السيطرة على اردبيل لذا اسرع الشاه فأصدر بتاريخ 4/9 (الثلاثاء 14 رمضان) امرا باخلاء مدينة اردبيل فورا وان يبتعدوا عن المدينة مع ما يستطيعون من حمله من ممتلكاتهم ...
الحقيقة ان وضع اهالي اردبيل عقب صدور الفرمان (الامر السلطاني) كان مبعثا للشفقة .. فقد اشاع اضطرابا كبيرا واصبح الناس في تخبط لا يدرون اين يولون الى درجة كان من الصعب العبور من ازقة المدينة فقد كان الناس رجالا ونساءا واطفالا يركضون من جهة الى اخرى وقد ارتفع عويلهم وبات صياحهم يصم الاذان وقد بدأت النساء يلعن الشاه لعدم رغبته في السلام مع العدو.
لانه لم يكن من السهل ترك البيوت للهدم وقد تم إنشاؤها حديثا لذا كان هنالك كثير من الناس يبيعون ما يمتلكون من امتعة واغراض بابخس الاثمان وبعض منهم كانوا يخفون امتعتهم في حدائق بيوتهم تحت التراب.
وقد كانت الاخبار غير السارة تأتي الواحدة تلو الاخرى لتزيد من بؤس الاهالي وهلعهم وخوفهم على مستقبلهم اذ انتشر بين الناس خبر مفاده بان الجيش العثماني وبعد اكتساحه لتبريز يهدف الى الاستيلاء على اردبيل وما فيها وسوف لن يقف الجيش حتى يحتل مركز ايران بمدنها وقراها وسيحولها كلها الى الخراب والدمار ولقد انتشر بين الناس أيضا بان طهماسب خان (امير الجورجيين) قد انفصل من الجيش العثماني وهو يتوجه مع اثنى عشر ألفا من جنوده نحو اردبيل...
وقد اثرت هذه الاخبار في “ الشاه عباس “ وأجبرته على إصدار أمر بإحراق المدينة مع القرى الواقعة بين تبريز واردبيل وقد أخلاها من أهليها .
وتم تهجير الاهالي الذين كانوا موجودين في اردبيل وقراها الى ولاية مازندران والى اماكن بعيدة في ولاية العراق وتم القضاء على كل من ابى وامتنع عن تنفيذ الاوامر.
وتم اصدار امر للجيش بالتحضر للحركة برفقة الشاه وقد اعطي الامر للجيش بحرق مدينة اردبيل بما فيها من مرقد للشيخ صفي الدين ومع القرى الموجودة اطرافها وان يحيلوها كلها إلى رماد حتى لا تقع بيد الاعداء سالمة ...
الا ان الجيش العثماني وعلى بعد 3 فراسخ دخل في معركة مع الجيش الصفوي بقيادة قرجغاي خان قائد جيوش الدولة الايرانية في موقعة سمي بـ" كدوك شيلى " والمفاجأة انها انتهت بانكسار الجيش العثماني فوقع الكثير منهم اسرى بيد القوات الايرانية وقد ساق قرجغاي خان الاسرى الى مدينة قزوين لكي يراهم “ الشاه عباس “ وقد كافأه الشاه بأن تم نصبه حاكما على ولاية اذربيجان.
التسميات
تاريخ الدولة الصفوية