العصر البرونزي على ضفاف البحر الميت: نميرة كشاهد تاريخي على الاستيطان والانهيار في الأغوار الجنوبية للأردن (2600-2300 ق.م)

نميرة: وادي التاريخ والجمال في الأغوار الأردنية

تعد "نميرة" من المواقع الجغرافية والأثرية الهامة في الأردن، حيث تجمع بين الجمال الطبيعي للوديان والمضايق وبين العمق التاريخي الذي يعود إلى آلاف السنين.


أولاً: الموقع الجغرافي (وادي نميرة)

وادي نميرة هو أحد الأودية الرئيسية التي تنحدر من مرتفعات الكرك في جنوب الأردن باتجاه منخفض البحر الميت.

الخصائص الجغرافية:

  • الموقع: يقع في منطقة الأغوار الجنوبية، وينتهي مصبه عند الشاطئ الشرقي للبحر الميت، على عمق حوالي 280 متراً تحت مستوى سطح البحر.
  • التكوين الطبيعي: يتميز الوادي بـ "السيق" أو المضيق الصخري العميق، الذي شقته المياه على مر العصور في صخور الحجر الرملي الملونة.
  • اللقب: يُعرف الوادي أحياناً بـ "البتراء المائية" أو "البتراء الصغيرة"، نظراً لتشابه طبيعته الصخرية الضيقة مع سيق البتراء، لكن بوجود جريان مائي خفيف يجعله مناسباً للمسير المائي.
  • المسار السياحي: أصبح وادي نميرة وجهة مفضلة لعشاق المغامرات والسياحة البيئية، حيث يوفر مساراً مائياً يمتد لعدة كيلومترات بين الجبال الشاهقة، ويتميز بوجود صخرة ضخمة معلقة عند مدخله كأحد أبرز معالمه.


ثانياً: الأهمية الأثرية (مدينة نميرة القديمة)

عند مصب وادي نميرة على شاطئ البحر الميت، تقع بقايا مستوطنة أثرية قديمة تحمل الاسم نفسه.

1. تاريخ المستوطنة:

  • العصر التاريخي: تعود الآثار المكتشفة في نميرة إلى العصر البرونزي المبكر، وتحديداً الفترة التي تبدأ حوالي 2600 قبل الميلاد.
  • وصف الموقع: كانت نميرة عبارة عن مستوطنة مسورة ذات حجم متوسط، تُقدر مساحتها الأصلية بحوالي 0.5 هكتار (1.2 فدان). كشفت الحفريات (التي جرت في الثمانينات) عن نظام دفاعي وسكني متطور نسبياً لتلك الفترة.
  • فترة السكن: استمر السكن في الموقع لحوالي 250 عامًا فقط، أي ما يقارب 10 إلى 12 جيلاً.

2. نهاية نميرة:

  • التدمير العنيف: تشير الأدلة الأثرية إلى أن نميرة تعرضت للتدمير بشكل عنيف ومفاجئ في نهاية العصر البرونزي المبكر (حوالي 2300 قبل الميلاد).
  • ما بعد التدمير: بعد هذا الحدث، لم تُعد المستوطنة مأهولة بالسكان مرة أخرى، مما يشير إلى نهاية حاسمة ومأساوية لحياة المدينة.

ثالثاً: نميرة والربط بالقصص الدينية (عمورة)

اكتسب موقع نميرة شهرة إضافية بسبب محاولات ربطه بمدن الأنبياء المذكورة في الكتب السماوية.

  • الفرضية: حاول بعض علماء الآثار والبعثات التنقيبية ربط نميرة بـ "عمورة" التوراتية، وهي إحدى المدن التي يُعتقد أنها دُمرت مع سدوم في قصة النبي لوط عليه السلام.
  • الحقيقة الأثرية:

  1. على الرغم من قربها الجغرافي من منطقة البحر الميت المرتبطة بالقصة، إلا أن الدلائل الأثرية لا تدعم هذا الربط.
  2. يُظهر تأريخ الكربون المشع أن نميرة دُمرت حوالي عام 2300 قبل الميلاد، وهو ما يسبق التاريخ المفترض لتدمير سدوم وعمورة بـ أكثر من 200 عام.
  • الخلاصة: لا توجد أدلة أثرية قوية تربط نميرة بشكل مباشر بالمدن المذكورة في القصص الدينية، وتبقى نميرة مدينة أثرية هامة بحد ذاتها من العصر البرونزي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال