صحار: من عاصمة عُمان الملاحية القديمة ومركز النحاس إلى العاصمة الصناعية ومحور التجارة في شمال الباطنة الحديثة

صحار: عاصمة عُمان القديمة ومحورها الصناعي الحديث

تُعد مدينة صحار، المركز الإداري لمحافظة شمال الباطنة في سلطنة عُمان، واحدة من أقدم وأهم المدن في شبه الجزيرة العربية. تمثل صحار مزيجاً فريداً يربط بين التاريخ البحري العريق، الذي جعلها عاصمة وميناءً رائداً عبر العصور، وبين الحاضر المزدهر الذي يجعلها اليوم العاصمة الصناعية للبلاد ومحوراً اقتصادياً رئيسياً.


الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية:

تقع ولاية صحار في الجزء الشمالي من سلطنة عُمان، على ساحل خليج عُمان، مما يمنحها شريطاً ساحلياً مميزاً.

  • الموقع: تقع على بعد حوالي 230-240 كم شمال غرب العاصمة مسقط. يحدها من الشمال ولاية لوى، ومن الجنوب ولاية صحم، ومن الغرب ولاية البريمي.
  • الميزة الاستراتيجية: موقعها على بحر عُمان جعلها محطة بحرية حيوية تربط الخليج العربي بآسيا (الهند والسند والصين) وإفريقيا، ما أسهم في ازدهارها التجاري والملاحي على مدى آلاف السنين.
  • التكوين الطبيعي: تنقسم الولاية جغرافياً إلى ثلاث مناطق رئيسية: شريط ساحلي، ومنطقة سهلية زراعية، ومنطقة جبلية (جبال الحجر الغربي) التي تضم العديد من القرى والأودية الشهيرة مثل وادي الجزي ووادي عاهن.


التاريخ العريق والتراث الحضاري:

يُطلق على صحار لقب "عروس الساحل" و**"قصبة عُمان"**، وهي مدينة ضاربة في القدم يعود تاريخها إلى آلاف السنين.

  • العاصمة القديمة: كانت صحار عاصمة لعُمان قبل ظهور الإسلام، وازدهرت بشكل خاص في عهد بني الجلندى. كما وصلت أوج مجدها وازدهارها التجاري في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ووصفها الجغرافيون المسلمون مثل المقدسي بأنها "ليس على بحر الصين بلد أجل منه، عامر، أهل، حسن، طيب".
  • مركز تعدين وتصدير النحاس: اشتهرت صحار بإنتاج وتصدير النحاس منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، حيث كانت تُعرف في الوثائق السومرية والأكادية بـ "بلاد ماجان" (أرض المناجم)، ما يشير إلى دورها المبكر في الانتقال من العصر الحجري إلى العصر البرونزي.
  • الملاحة والتجارة: كانت المدينة دهليزاً للصين وخزانة للشرق، ومركزاً لتجارة اللؤلؤ والتوابل والحرير، بالإضافة إلى صناعة السفن.

أبرز المعالم التاريخية:

  • قلعة صحار: تُعد القلعة رمزاً لتاريخ المدينة، وتعود جذورها إلى العصور الإسلامية الوسطى. لعبت دوراً دفاعياً محورياً، وتحتوي على ضريح السيد ثويني بن سعيد البوسعيدي، بالإضافة إلى نفق سري يمتد لمسافة طويلة كان يُستخدم للإمدادات أثناء الحصار.
  • بيت بهجة الأنظار: المقر الخاص للسلطان في صحار، ويُعد من المعالم التي تشير إلى مكانة المدينة في العصر الحديث.
  • الأسواق القديمة: مثل سوق الأسماك وسوق الحرفيين التي تعكس الحرف اليدوية التقليدية كالفخار والنسيج.

الاقتصاد الحديث: محور الصناعة والتجارة البحرية:

شهدت صحار تحولاً اقتصادياً كبيراً في إطار النهضة العمانية، لتصبح اليوم العاصمة الصناعية للسلطنة.

  • ميناء صحار والمنطقة الحرة: يمثل ميناء صحار الصناعي أحد أكبر وأهم الموانئ في المنطقة، ويتميز بموقعه التنافسي على طرق الشحن العالمية. ويرتبط بالميناء المنطقة الحرة بصحار التي تقدم حوافز استثمارية ضخمة مثل التملك الأجنبي بنسبة 100% والإعفاءات الضريبية الطويلة الأجل.
  • الصناعات الثقيلة: يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على قطاع الصناعات الثقيلة، وأبرزها:

  1. مجمع البتروكيماويات ومصفاة صحار.
  2. مصنع الألمنيوم (شركة صحار ألمنيوم).
  3. صناعات الميثانول واليوريا والحديد والصلب، بالإضافة إلى الصناعات المتعددة في مدينة صحار الصناعية (مدائن).
  • الأنشطة الاقتصادية التقليدية: على الرغم من الثورة الصناعية، لا تزال المدينة تعتمد على أنشطتها التقليدية مثل: صيد الأسماك على الشريط الساحلي، والزراعة في المناطق السهلية (خاصة في إقليم الباطنة)، والتجارة المحلية.

البنية التحتية والخدمات:

تتمتع صحار ببنية تحتية متطورة تدعم مكانتها كمركز إداري وصناعي:

  • النقل والمواصلات: ترتبط صحار بشبكة طرق حديثة، أهمها طريق الباطنة الذي يربطها بالولايات الأخرى والعاصمة مسقط، بالإضافة إلى قربه من شبكات الطرق المؤدية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
  • التعليم: تحتوي المدينة على مؤسسات تعليمية متقدمة، بما في ذلك جامعة صحار وكلية صحار للعلوم التطبيقية (التقنية سابقاً)، إلى جانب المدارس الحكومية والخاصة.
  • الإسكان والخدمات: تتميز بتوفر العقارات السكنية المتنوعة والمرافق الحيوية، وتتركز أغلبية السكان في الشريط الساحلي لسهولة الوصول إلى المصالح والمؤسسات.

صحار هي بحق مدينة تعكس التطور العماني؛ فبقدر ما هي راسخة في عبق التاريخ كمنارة تجارية عريقة، بقدر ما هي متطلعة نحو المستقبل كقاطرة للصناعة والتنمية الاقتصادية في السلطنة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال