سيرة ابن عبد ربه الأندلسي:
أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (246 - 328 هـ / 860 - 939 م)، هو أديب وشاعر وفقيه وإمام أندلسي، اشتهر بكونه صاحب الموسوعة الأدبية الشهيرة "العقد الفريد". ينحدر من أصول تعود إلى سالم، مولى الأمير الأموي هشام بن عبد الرحمن الداخل، مما يشير إلى ولاء أسرته للأمويين في الأندلس وموطنه الأصلي قرطبة التي ولد ونشأ فيها.
الأدب والشعر ومرحلة "الممحصات":
كان ابن عبد ربه شاعراً مطبوعاً ومعروفاً، إلا أن نشاطه الأدبي اتجه في الغالب نحو الاشتغال بأخبار الأدب وتصنيفها وجمعها. يتميز شعره بغزارته وتنوع أغراضه في البداية، حيث نظم في الغزل والنسيب واللهو في فترة صباه وشبابه، لكنه ما لبث أن مر بمرحلة تحول روحي في كبره.
- الممحصات: هي قصائد ومقاطع شعرية نظمها ابن عبد ربه في المواعظ والزهد والتوبة بعد تركه لمرحلة الصبا. سميت كذلك لأنه نقض بها كل ما قاله سابقاً من شعر الغزل والنسيب، وجاء بها على الأوزان والقوافي ذاتها لقصائده السابقة، وكأنها "تمحو" تلك الأشعار وتكفر عنها، وهي ظاهرة تجديد أسلوبي في الشعر.
"العقد الفريد": الموسوعة الأدبية الخالدة:
يُعد كتاب "العقد الفريد" أشهر أعماله وأحد أمهات كتب الأدب العربي على الإطلاق، وهو بمثابة موسوعة ثقافية شاملة ضمّنها ابن عبد ربه جملة من الأخبار، والأمثال، والحكم، والمواعظ، والأشعار، وفنوناً أدبية ومعرفية أخرى، مستوعباً خلاصة ما دوّنه أعلام أدب المشرق أمثال الجاحظ وابن قتيبة والمبرد.
- تسمية الكتاب: الاسم الذي أطلقه المؤلف على الكتاب هو "العقد"، حيث قسّمه إلى خمسة وعشرين باباً أو كتاباً، حمل كل واحد منها اسم جوهرة كريمة (كالزبرجدة، والياقوتة، واللؤلؤة، وغيرها)، لتكون كعقد الحسان المرصّع. أما لفظ "الفريد" فقد أضافه إليه النساخ المتأخرون أو بعض النقاد لشهرته وتفرده.
جوانب أخرى من سيرة ابن عبد ربه:
- الشهرة والثراء: حظي ابن عبد ربه بشهرة واسعة في عصره، خاصة في الأندلس. ومما يُذكر عنه أنه أثرى وكوّن ثروة بفضل أدبه وشعره، لا سيما من خلال مدحه للأمراء والخلفاء، مما جعله من النماذج التي أثرت بأدبها بعد الفقر.
- الأرجوزة التاريخية والجدل السياسي: ألف ابن عبد ربه أرجوزة تاريخية ذكر فيها الخلفاء، لكنه أثار جدلاً بـجعل معاوية رابع الخلفاء وإسقاط ذكر الإمام علي بن أبي طالب من هذه القائمة، وهو ما يعكس -ربما- ولائه للتيار الأموي أو تأثره به في الأندلس.
- نهاية حياته: أصيب الأديب الكبير بمرض الفالج (الشلل النصفي) قبل وفاته بأيام، وتوفي في قرطبة سنة 328 هـ. وقد طُبع جزء من ديوانه يتضمن خمس قصائد فقط.
