بنية الاستطراد: "ديوان الزنج" لعز الدين المدني.. خلق الشروط الكفيلة بتكييف الممارسة الميتامسرحية مع بنية حكائية تراثية هي الاستطراد



كتب عز الدين المدني مسرحية "ديوان الزنج" في بداية السبعينات، وهي تمثل نموذجا للأعمال الدرامية التي تستلهم مقوماتها الجمالية من التراث العربي، وذلك بالاستناد على وعي فكري وفني بالتراث وبحدود التعامل مع إمكاناته التعبيرية.

هذا الوعي هو ما يعكسه بوضوح "البيان" الذي صدر به عزالدين المدني مسرحيته، وعنونه بـ"ديوان الزنج: بيان حول استعمال الفضاء المسرحي في هذا الديوان"، حيث يؤكد على ضروة استعمال أركاح متعددة ومتنوعة الأحجام والارتفاع قصد تشخيص هذا الديوان، لاسيما وأنه يستلهم مبدأ جماليا تراثيا هو "الاستطراد".

ولتوضيح الخلفية المتحكمة في استلهامه لهذا المبدأ في "ديوان الزنج"، يقول عز الدين المدني: "لقد سبق للمؤلف أن استعمل في أثر أدبي سابق عنوانه "الحمال والبنات" بعض الخصائص الجمالية التي وردت في الكتب الأدبية العربية القديمة "كالأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني، و"الحيوان" للجاحظ، و"الإمتاع والمؤانسة" لأبي الحيان التوحيدي، و"كليلة ودمنة" لابن المقفع، و"التوابع والزوابع" لابن شهيد الأندلسي.. وهو يعيد استعمال هذه الخصائص بأكثر دقة في هذا الديوان المسرحي.

وهذه الخصائص الجمالية التي لا ندعي أن الكتب العربية القديمة قد انفردت بها، وإنما كانت دعامة في الإنشاء الأدبي العربي القديم، فضلا عن كونها رائجة في آداب الشرق المتواري في القدم.

وهي تتلخص في مفهوم "الاستطراد" الذي جعل منه المؤلف مبدأ جماليا أساسيا ساعده في "الحمال والبنات" وفي هذا الديوان المسرحي بالذات على اكتساب شكل مسرحي مبتكر، ومكنه من تركيب العمل الدرامي تركيبا مرنا، حركيا، متفاعلا جدا، بله جدليا، وأعانه في الانصراف أو يكاد عن فنيات المسرح الغربي - الكلاسيكي منه والحديث الطلائعي - ودفعه بفضـل ذلـك كلـه إلـى الاقتـراب أكثـر فأكثر من الأرضية الذهنية، إن لم يقم عليهـا عمدا، لاسيما في الماضي الحضاري، وبالتالي في الواقع الشعبي الحالي".

يستفاد من هذا القول أن إفادة المدني من التراث العربي ليست مضمونية وإنما هي شكلية. وتتعلق، بالأساس، باستلهام مبدأ جمالي هو "الاستطراد" الذي ساعده على خلق شكل مسرحي مبتكر يتميز بالمرونة والحركية والتفاعل الجدلي، كما خلصه من سطوة التقنيات الغربية سواء كانت كلاسيكية أو حديثة. هذا بالإضافة إلى كونه قربه من الذهنية العربية.

لا يريدنا المدني أن نفهم من هذا القول أنه يصدر عن نظرة تقديسية للتراث مقابل نظرة رافضة للغرب، بقدر ما يريدنا أن نستوعب قيمة الإمكانات الجمالية التي يمدنا بها التراث، وأن نتعامل معها بكيفية تجعلها قابلة لاحتواء قضايانا الحالية، بمنظور جدلي.