بعكس ما يحدث في القارة الأوربية المتوجهة نحو التكامل الاتحادي وبناء دولة ديمقراطية صناعية عظمى على الرغم من اختلاف دولها المختلفة المنتمية إلى الإتحاد الأوربي لغويا وتاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وسياسيا ودينيا طائفيا ودرجة تقدمها الصناعي والعلمي نرى أن الأقطار العربية المكونة للأمة العربية مشتتة ومتشرذمة وابعد ما تكون من أن تتحد وتتفق على أدنى المبادئ التي تؤدي إلى تكاملها واندماجها في كيان واحد رغم وجود المقومات الأساسية المشتركة لقيام هذا الكيان مثل اللغة العربية، الدين الإسلامي، المنابع والأصول المشتركة، التاريخ والجغرافية المشتركة.. الخ.
بعض أسباب هذا التشرذم في معظم الأحوال هي:
أ - الطبيعة التركيبية لأنظمة الحكم في الأقطار العربية: الأنظمة القائمة في الأقطار العربية أنظمة مختلفة يتحكم فيها مبدأ المصالح الذاتية الخاصة لكل دولة وهي أما أنظمة ملكية وإماراتية وراثية أو أنظمة جمهورية شبه وراثية. في كلا الحالتين تعتبر هذه الأنظمة أنظمة دكتاتورية وسلطوية وليست أنظمة ديمقراطية مبنبة على أسس دولة المواطنة والقانون والتعددية الحزبية يتمتع فيها أي مواطن بكل حقوقه الدستورية، حيث أن مصير البلاد السياسي والاقتصادي والتجاري والمالي.. الخ في الأنظمة الملكية يساق حسب ما يشتهيه الملك أو العائلة المالكة أو العشيرة المالكة بينما في النظم الجمهورية تساق البلاد والعباد من قبل رئيس جمهورية عسكري ديكتاتوري أو من قبل حزب واحد حسب رؤياهم الخاصة ما عدا الحالة الشاذة في لبنان حيث تسود الفوضى نتيجة التعددية الحزبية المتناحرة داخليا سياسيا وطائفيا وأثنيا والتي تخضع لتأثيرات خارجية عربية وأجنبية.
ب - السياسات الداخلية والخارجية في كل قطر من الأقطار العربية تختلف بعضها عن البعض ولا تلتقي في نقاط مشتركة إلا إذا ما قرره الملك أو رئيس البلاد ذلك ولغرض ما وهذه الخلافات تشكل عائق في طريق تشريع ضوابط المصالح المشتركة للأمة العربية جمعاء.
ت - الخلافات السياسية والشخصية بين الحكام العرب وارتباطات حكومات دولهم بمعاهدات عسكرية وسياسية واقتصادية مختلفة مع حكومات ومصالح الدول الكبرى المختلفة تشكل عائق في طريق تصفية الأجواء من أجل العمل لمصلحة الأمة العربية جمعاء. وفي الحقيقة وفي كثير من الأحيان يتآمر حكام العرب بعضهم على بعض.
ث - الدول العربية دول ضعيفة وليست مستقلة القرار ومعرضة للإبتزازات من قبل القوى الخارجية التي تتدخل في شؤونها الداخلية وفي اتخاذ قراراتها في السياسة الخارجية مما يؤدي إلى خلق فجوات الخلاف والصراع فيما بينها.
ج - حكومات الدول العربية حكومات قمعية لشعوبها وتتآمر على دول عربية أخرى من أجل أرضاء قوى خارجية معينة التي تحميها للبقاء في دفة الحكم.
ح - حكومات الدول العربية تفتقد الثقة فيما بينها ولا تلتزم بالاتفاقات والمعاهدات الموقعة بينها ولا تحترم حقوق المواطن العربي في التنقل والعمل بحرية في أرجاء الوطن العربي. وبعكس ما يحدث في الدول الأوربية حيث أن باستطاعة المواطن الأوربي العادي التنقل من دولة إلى دولة أوربية أخرى بهويته الشخصية والعمل في جميع الدول الأوربية دون عائق نرى أن المواطن العربي لا يستطيع أن يدخل الدول العربية إلا بترخيص (الفيزة) وفي بعض الأحيان يمنع من الحصول على (فيزة) والدخول إلى تلك الأقطار. بعض البلدان العربية وخصوصا الإمارات الخليجية منها تفضل استيراد الأيدي العاملة الأجنبية بدلا من أن توظف مواطني الدول العربية الأخرى. هذه الظاهرة جعلت نسبة السكان الأصليين من العرب المتواجدين في هذه الإمارات أقل من 10% من مجموع السكان القاطنين والعاملين فيها. كذلك أن اللغة المهيمنة في التعامل اليومي في هذه الإمارات هي اللغة الإنكليزية والفارسية بدلا من اللغة العربية. هذا التغير الديماغوجي واللغوي يشكل مصدر قلق على مصير هذه الإمارات في المستقبل القريب والبعيد، لأنه كان من الأفضل على هذه الإمارات استيراد الأيادي العاملة العربية بدلا من الأيادي العاملة الأجنبية ليس فقط للمحافظة على كيانها العربي الأصيل بل أيضا لتقليل نسبة البطالة في الأقطار العربية المصدرة لهذه الأيادي العاملة وبقاء السيولة النقدية من العملة الصعبة ضمن اقتصاد الدول العربية.
خ - الخلافات الشخصية بين رؤساء وملوك الدول العربية أو نظمها لا تؤدي بعض الأحيان فقط إلى أزمات سياسية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين تلك الأقطار المتخالفة بل أيضا إلى إهانة وطرد القوى العاملة التابعة لتلك الأقطار من البلاد المتنازعة. أبسط مثال على ذلك هو طرد العمال المصريين من ليبيا حينما حدث خلاف بين الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس المصري السابق أنور السادات في أواسط عام 1976. نفس السيناريو حدث حينما طردت ليبيا اللاجئين الفلسطينيين العاملين في ليبيا ورمتهم على الحدود المصرية حينما حدث خلاف بين معمر القذافي ومنظمة التحرير الفلسطينية. قبل ذلك وفي زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حدثت مشاكل مع المواطنين المصريين في الجزائر. مثال أخر هو منع نظام حافظ أسد دخول العراقيين الى سوريا في العقد التاسع من القرن الماضي بسبب الخلاف مع النظام الوطني في العراق حيث منع على العراقيين الحصول حتى على تأشيرات للدخول إلى هذا القطر العربي الذي حمى الجيش العراقي الباسل عاصمته دمشق من السقوط بأيدي الصهاينة في حرب أكتوبر عام 1973.
د - الإعلام العربي إعلام مسير مدسوس ومخترق وفي كثير من الأحيان مرتبط بجهات أجنبية معادية لمصالح وطموحات الأمة العربية حيث أنه ينشر الأخبار والدعيات المدسوسة والمغرضة من أجل خلق الإرباك والوهن والضعف والشك في عقول ونفوس جماهير الشارع العربي وغرف نومهم وذلك لترسيخ روح الانهزامية والتفرقة والتقوقع الإنبطاحي فيهم. كذلك يخلق روح العداء والفتنة والاقتتال فيما بينهم لأسباب تافهة وهذا ما حصل فعلا في مصر والسودان بعد مباراة كرة القدم بين فريقي مصر والجزائر والذي أدى في النهاية إلى أزمة دبلوماسية بين مصر والجزائر والسودان.
ذ - غياب دور الأحزاب القومية والقوى التقدمية في تضييق الفجوة الخلافية بين الأقطار العربية لأسباب عديدة منها أولا، غياب دور هذه الأحزاب في التأثير على حكوماتهم ثانيا، أن هذه الأحزاب ممنوعة من العمل السياسي في البلدان العربية أو ثالثا، أنها غير موجودة أصلا في بعض الأقطار العربية أو أنها متواطئة مع حكوماتها. القوى اليسارية المتمثلة في الأحزاب الشيوعية لا تمتلك في خطابها مسألة مصلحة الأمة العربية والانتماء القومي لها لأنها أحزاب أممية لها ارتباطها ومصالح مع قوى خارجية معادية لطموحات الأمة العربية في التوحد والتكامل، وقد أظهرت التجربة بعد احتلال العراق أن هذه الأحزاب (باستثناء بعد التنظيمات الشيوعية) أحزاب عميلة للإمبريالية الصهيو-أمريكية ولا تلتزم بمبادئها الماركسية المعادية للرأسمالية والمد الاستعماري الإمبريالي الغربي. تجربة احتلال العراق أيضا فضحت العقول التي قدمت للبعض من المحسوبين على التيار القومي العربي حيث أن الكثير من كتاب وقادة هذا التيار لهم الميل إلى تبرير الدور ألإيراني القذر في الدول العربية وفلسطين وغض النظر عن الجرائم التي يقترفها نظام ولاية الفقيه الإيراني في العراق المغتصب بحجة أن هذا النظام يؤيد القضية الفلسطينية واللبنانية ويمد يد العون إلى حركة (حماس) في غزة و"حزب الله" اللبناني الذي هو أصلا حزب شيعي طائفي وموالي لنظام ملالي قم وطهران والمعادي للمقاومة العراقية المسلحة الباسلة وطموحات الأمة العربية.
التسميات
عرب