المدرسة الفرنسية التقليدية في الأدب المقارن ونظرية الأدب الماركسية.. الأدب شكل من أشكال الوعي الإنساني الذي يعكس الوجود الاجتماعي المادي للناس

كان من الطبيعي أن يحصل تناقض جذري بين أدب أساسه النظري هو النزعة التاريخية والفلسفة الوضعية، أي المدرسة الفرنسية التقليدية في الأدب المقارن، وبين نظرية الأدب الماركسية التي تقوم على الفلسفة المادية الجدلية التي ترى في الأدب شكلاً من أشكال الوعي الإنساني الذي يعكس الوجود الاجتماعي المادي للناس مثلما تعكس المرآة الأشياء.

فنظرتا هذين الاتجاهين إلى الأدب وقضاياه متعارضتان كلّ التعارض.

صحيح أنّ الاتجاهين كليهما يقولان بتاريخية الأدب، وبإمكانية كتابة تاريخ الأدب، ولكن شتان بين تصوريهما لذلك التاريخ! فالمدرسة الفرنسية التقليدية في الأدب المقارن لا تهتمّ إلاّ بما ينجم عن عوامل التأثير والتأثر من نتائج أدبية.

أمّا الاتجاه الماركسي فهو يرى أنّ هناك قوانين تتحكم في حركة الأدب وتاريخه.
فتطور الأدب لا يتوقّف على عوامل التأثير والتأثر، ولا ينجم عنها بقدر ماهو ضرورة حتمية يمليها تطور المجتمع، أي البناء التحتي بالدرجة الأولى، والبناء الفوقي بدرجة أقلّ.

وهذه القوانين عامة، تسري على الآداب كلّها.
أمّا الفروق بينها فهي ترجع إلى فروق في درجات التطور الاجتماعي، وهي لاتلغي القوانين العامة لتطور الآداب والمجتمعات.

فما يبرز في أحد الآداب من ظواهر أدبية هامة، كالأجناس الأدبية والاتجاهات الفنية، في وقت مبكر، نتيجة لتقدّم المجتمع الذي يحتضن ذلك الأدب، يظهر حتماً في الآداب الأخرى، لا بفعل علاقات التأثير والتأثر فحسب، بل بالدرجة الأولى نتيجة لتوافر الشروط والمقدمات الاجتماعية في المجتمعات التي تحتضن تلك الآداب، وإن يكن بفارق زمني قد يطول أو يقصر.

فمسألة التطور الأدبي مرتبطة بالتطور المجتمعي، وهي مسألة وقت فقط.
إن الآداب تمر بالمراحل التاريخية نفسها، وتشهد ظهور الأشكال الأدبية الرئيسية نفسها، من أجناس وتيارات أدبية وما إلى ذلك، مما يعني أنها تمر بمراحل التطور نفسها، ولكن ليس بصورة متزامنة.

فهناك قانون يحكم تطور المجتمعات والآداب على حدّ سواء، هو قانون عدم التزامن (Ungleichzeitigkeit).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال