لقد كتب الله لأنبيائه رعي الغنم قبل البعثة كفرصةٍ للتدرب على سياسة الناس والصبر والجلد، إضافةً إلى ما تورثه برعيها من الرحمة واللين؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم! كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة»، قال ابن حجر معلقاً: «قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيتها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم من الحلم والشفقة؛ لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك لأول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم.
وخُصّت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر؛ لإمكان ضبط الإبل والبقر بالرباط دونها ـ أي الغنم ـ في العادة المألوفة، ومع أكثريتها فهي أسرع انقياداً من غيرها..»، فإذا كان الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يحتاجون إلى نوع تمرين وتدريب لأجل رعاية الخلق ومعالجتهم؛ فغيرهم ممن يسير على طريقتهم من باب أوْلى وأحرى.
والتدريب هو: «عبارة عن نشاط منظم يركز على الفرد لتحقيق تغير في معارفه ومهاراته وقدراته لمقابلة احتياجات محددة في الوضع الحاضر أو المستقبلي، في ضوء متطلبات العمل الذي يقوم به المرء، وفي ضوء تطلعاته المستقبلية للوظيفة التي يقوم بها في المجتمع».
ومن هنا نعلم أن التدريب ارتقاء دائم، وتطـور مستمر، يسهم في تحسين الأداء وتصحيح الأفكار وزيادة البصيرة.
إن الدورات التربوية التدريبية تجمع إليك تجارب مركزةً لناجحين اختيرت بعناية، تجعل المربي يقوم بأداء أفضل ومن ثم ثمرات أفضل، فإذا كان هذا ما سنحصل عليه من خلال الدورات التدريبية التربوية، فلا ينبغي الاستنكاف عن الاستفادة منها حتى لو كلفنا ذلك بعض المال. إن رجال الإدارة والاقتصاد وغيرهم ليسوا أحق بهذه الدورات والبرامج التدريبية من رجال التربية والتعليم والدعوة الذين يقومون على بناء الأجيال ورعاية الناشئة وصياغة ألامة وصناعتها، إننا (بحاجة لمن يعلمنا فن الحوار، وفن الصمت، ومن يعلمنا الكف عن الإدمان على بعض الأشياء وبعض التصرفات، كما أننا بحاجة إلى من يدربنا على إدارة الوقت وإدارة أعمالنا عن طريق الهاتف وعن طريق الأهداف وطريق التفويض، ومن يدربنا على رسم الأهداف، وعلى التخلي عن النزعات العدوانية، ومن يدربنا على حل مشكلاتنا عن طريق التفاوض ومقايضة المصالح، ومن يدربنا على القراءة المثمرة والتفكير المبدع، وحين نحرز تقدماً على هذه الأصعدة؛ فإننا سنجد أن معالم حياتنا كلها قد تغيرت، وصارت فرص النجاح والارتقاء أفضل بكثير مما هي عليه اليوم).
وحيث إن الأمر هنا مجرد إثارة للموضوع لا غير؛ فإني أشير إلى بعض مواضيع الدورات التي يحتاج إليها المربي من أجل تربية أفضل فمن ذلك:
صياغة الأهداف ـ إدارة العمل ـ تحسين الأداء ـ أنماط الشخصية ـ فن التعامل والقدرة على التأثير ـ رعاية الإبداع ـ أدبيات الحوار ـ حل المشكلات وغيرها كثير.
وختاماً: فإن صياغة النفس البشرية على الفضائل، وتربيتها على الكمالات؛ عملية ضخمة كبيرة لا يصح أن تُصـرف لها فضول الأوقات، إنها ليست عملية يوم أو شهرٍ أو سنة، بل هي جهد دائم وسعي مستمر، وكمـا قال الرافعي: (إننا لسنا على غارة نُغيرها.. بل على نفوس نُغيّرها)، فكم هي مهمة عظيمة جليلة!
التسميات
تربية