التحذير من كثرة المزاح وتغييره الجد هزلا.. الأنبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له بأي لون من الألوان

ما اجمل المسلم وهو يشارك إخوانه في فرحتهم ومرحهم ومناسباتهم ، تحت الضوابط الشرعية التي أقرتها الشريعة الغراء . ولكن من قبح القول والفعل الذي يمارسه شبابنا اليوم ما يسمى (المزاح) أو بلغة أخرى (المسخرة / الإستهزاء) فالفرق بينهما شاسع وكبير ، فهذا فيه من الحلال ما هو حلال ، والثاني فيه من التحقير والتنقيص ما فيه .
فالمزاح يعني " الأنبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له بأي لون من الألوان ".
فبالحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا ، قال " نعم ، غير أني لا أقول إلا حقاً "، فهذه هي المداعبة التي حافظ عليها رسول الله  (ص)  طوال حياته .
فالمزاح المحمود " هو الذي لا يشوبه ما كره الله عزوجل ، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم ،وعكسه المذموم الذي يثير العداوة ، ويذهب البهاء ، ويقطع الصداقة ويجرئ الدنيء عليه ، ويحقد الشريف به ".
ولما سئل بعض السلف عن مزاحه  ص  قال : " كانت له المهابة العظمى ، فلو لم يمازح الناس لما أطاقوا الاجتماع به والتلقي عنه ، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً ".
يقول الامام الشافعي – رحمه الله :
أفد طبعك المكدود بالجد راحة بجده وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن على قدر ما يعطي الطعام من الملح
ولك من رسول الله قدوة حسنة ، ومن بعده عليك بالسلف الصالح فهم أصحابه وأتباعه ، وهم أفهم وأعلم هذه الأمة بدينها وأحكامها ... فنعم السلف الصالح الذي كان وما زال حريصاً على تطبيق شريعة الله في الأرض .
فلما كان المزاح نوع من أنواع المرح والترويح عن النفس ، كان الاجدر بنا أن نضبطه بالضوابط الشرعية ومنها :
* أن لا يكون إلا صدقاً .فإن عكس ذلك يكون كذب !!
* أن لا تؤذي به أحداً ، ولا تحزن به قلباً أو تدمع به عيناً ، لأنه يصبح حينئذ تحقير وليس مزح !!
* أن لا تفرط فيه ، لأن الإفراط به يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب .
* أن لا تأخذه ديدناً تداوم عليه لأنك ستسأل عن وقتك فيم أفنيته .
وفي الأثر عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال " من أذنب ذنباً وهو يضحك دخل النار وهو يبكي ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أتدرون لم سميّ المزاح مزاحاً ؟ قال : لأنه أزاح صاحبه عن الحق ". والمزاح من الدين لمن عرف كيف يضعه في مكانه ، سئل الامام سفيان بن عيينة : ( المزاح هجنة ؟ فقال : بل هو سنة ، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه ).
أما الوجه الثاني للمزاح ( الاستهزاء أو المسخرة ...) فهو حرام شرعاً لما فيه من التنقيص والتحقير والسخرية بالآخرين ، فكما جاء بالحديث الصحيح من حديث أبو هريرة أن رسول الله  r  قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) . فإياك أيها الشاب الفطن أن تخوض بما ليس لك به علم ، فكثير من الشباب اليوم في سكرتهم يعمهون ، و في غيهم يمرحون ، مما ينبئك بسوء مجالسهم ، وسواد قلوبهم ، وقلة دينهم ، قال تعالى ( ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ... ).
وقد تجد الكثير من الشباب الضال – الذي نسأل الله أن يهديه – يتفنن في أنواع السخرية والاستهزاء ، فهناك من يهزأ بالحجاب ، وآخر يسخر بتفيذ الاحكام الشرعية ، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك ... كما وصل بهم الأمد الى سنة رسول الله  r  فكان لها نصيب من مرضى القلوب ، فظهر منهم الاستهزاء باللحية والثوب القصير والسواك وغيرها .
ففي جواب اصحاب الفضيلة العلماء في اللجنة الدائمة للإفتاء على من قال لآخر : ( يا لحية ) مستهزئاً بها فهو منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله ( يالحية ) السخرية فذلك كفر ، وإن قصد التعريف بالشخص فليس كفر ، ولا ينبغي أن يدعوه بذلك . انتهى .
ولنعلم خطورة الاستهزاء على دين الرجل ، فلنستمع الى ما يتلى في سورة التوبة ، قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ، قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ،إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ).
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال : ما أرى قراءنا إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنةً ، وأجبننا عند اللقاء‍‍‍‍‍‍‍. فرفع ذلك الى رسول الله (ص) وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله : إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال ( أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون ... )الآية. وإن رجليه لتنسفان الحجارة ، وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة رسول الله (ص).
وثابت من سيرته (ص)  أنه أرحم الناس بالناس ، وأقبل الناس عذراً للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزيء ‍‍‍.
* وفي هذا يقول ابن الجوزي - رحمه الله - في زاد المسير : هذا يدل على أن الجد واللعب في اظهار كلمة الكفر سواء .
* قال فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : إن الإستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج من الدين ، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة .
* قال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم – رحمه الله : ومن الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيَهم أو لم يلقَهم ، مثل قوله : المطاوعة – المشايخ والدعاة -كذا وكذا – مستهزء بهم - فهذا يخشى أن يكون مرتداً ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل الطاعة .
هنا ننوه أن البعض يقول : لا أقصد الدين ، ولكن أقصد الرجل ، فأقول لك أخي الحبيب : هل شققت على قلبه ونظرت ما فيه ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ فالحذرالحذر يا شباب الأمة ، فالأمر جد خطير ، وأنتم على مفترق حساس و دقيق.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال