ثمة مفهوم (منبثق من الواقع) ومفاده أنه باستطاعة كل شخص يعمل بجهد ويتمتع بشخصية قوية وتفكير سليم النجاح في المهنة أو المجال الذي يختاره في الولايات المتحدة. وها هي الولايات المتحدة قد قامت أخيراً بخطوة عظيمة لا بل حاسمة في ما يتعلق بإنهاء حلم مارتن لوثر كينغ، حلم بأرض يحكم فيها على الناس بحسب إنجازاتهم لا بحسب لونهم, وتختار باارك أوباما كأول رئس اسود في تاريخها.
وبرغم المحن التي لم تزل تلاحفه منذ بدأ السباق نحو البيت الأبيض وحتى الرمق الأخير والتي إنتهت بوفاة جدته التي ربته قبل يوم واحد من بدا إلإنتخابات إلا أن باراك أوباما ظل مستميتا في ميدان الجهاد دون تزحزح قيد أنملة ليحقق هذا الفوز التاريخي ويدخل التاريخ من اوسع أبوابه ..نعم فاز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية ليصبح أول رئيس من أوصول إفريقية ويحقق حلم السنين.. ولم يأت هذا الفوز التاريخي من فراغ ولا على سبيل الحظ فهذا هو الرجل الذي أينما حل كان قادر على جمع تجمعات جماهيرية غير مسبوقة وتبرعات مالية غير مسبوقة أيضا، هذا إضافة إلى تغطية إعلامية لا تنتهي، وإعجاب جماهيري منقطع النظير..
مصادر الإعجاب بأوباما كثيرة فهو أول أميركي أسود يصل إلى نصبه الحالي، كما أنه شاب نسبيا (46 عاما) من أصل مهاجر (ولد لأب كيني وأم أميركية) عمل بعد تخرجه من الجامعة في تنميه المجتمعات المحلية (بمدينة شيكاغو الأميركية) ثم انتقل لجامعة هارفارد (أحد أعرق الجامعات الأميركية) ليدرس القانون وليدخل عالم الشهرة والسياسية بسرعة منقطعة النظير حتى صار مرشحا رئاسيا بعد أربع سنوات فقط من وصوله واشنطن في عام 2004
كما امتلك أوباما الجرأة لاتخاذ بعض القرارات السياسية الصعبة من بينها معارضته لحرب العراق منذ عام 2002، ودعوته للحوار مع دول مثل إيران وسوريا أمام مرشحين صقور مثل هيلاري كلينتون وجون ماكين
قصة أوباما نفسها مثيرة للإعجاب، تصلح كفيلم سينمائي قبل أن تكون سيرة ذاتية رائجة، لما لا وقد كتب أوباما نفسه سيرته الذاتية بعد تخرجه من هارفارد، ويقول من قرءوها أنها كشفت عن كاتب بارع مرهف الحس على الرغم من أنها لم تشتهر إلا بعد ترقي أوباما سياسيا
أما سر الإعجاب بأوباما فيكمن في قدراته الخطابية الهائلة التي أشاد بها خصومه قبل مسانديه، مع العلم بأن خصومه هؤلاء هم من أقدر الأميركيين على الخطابة وإجادة فن تحريك الجماهير، فمن بينهم بيل كلينتون القادر على حبس أنفاس مستمعيه خلال خطاباته حتى بعد خروجه عن الحكم، وزوجته هيلاري أشهر سياسية أميركية حاليا وأكثرهم نفوذا، وجون ماكين مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية المهزوم والبطل القومي الأميركي الذي تحولت سيرته الذاتية إلى فيلم سينمائي بالفعل
هذا يعني أننا أمام عبقرية خطابية فريدة تقوم على عناصر مختلفة مثل تركيز أوباما في خطاباته على الإيجابية والمستقبل والأمل والقيم الأميركية وبحثه عن أميركا أفضل، ورفضه للتحزب والتشدد والحروب السياسية الأميركية الداخلية، كما تقوم أيضا على لباقة أوباما في الحديث وعلى استخدامه لتعبيرات لغوية مجازية ممتعة، وهدوءه الواضح الذي لا يفقده أعصابه في أصعب الظروف
هذا إضافة إلى ملامح وجهه الهادئة، وابتسامته الدائمة غير المبالغ فيها، وشبابه النسبي، وطول عوده ونحافته غير المفرطة، وقدرته على التحكم في عضلات وجهه ونبرات صوته بشكل يخدم خطابه، وطريقة سيره وتحيته للجمهور التي لا تخلو من كبرياء لا يصل لحد الغرور، هذا إضافة إلى أناقته الملفتة للنظر وقدرته على الحديث أمام جموع جماهيرية غفيرة وكاميرات التلفاز
امتلاك إنسان ما لمثل هذه القدرات هي موهبة فطرية بالأساس يصعب زرعها في شخصية لا تتمتع بها، ولكنها أيضا نتاج لثقافة سياسية ديمقراطية حرة تشجع الكاريزما السياسية وتبحث عنها وتنمينها..فألف مبروك لأوباما!!
التسميات
أمريكا