تخضع السياسة الدفاعية الأمريكية في الفترة الحالية لتحولات جذرية تحت تأثير نوعين من العوامل الهيكلية، الأول يتمثل في الفكر العسكري الذي جلبته إدارة الرئيس بوش معها إلى السلطة، والذي يهدف إلى تنفيذ خطة إصلاح جذرية شاملة في المؤسسة العسكرية الأمريكية. أما العامل الثاني، فيتمثل في الدلالات الخطيرة التي عكستها هجمات واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، والتي أكدت على وجود طائفة جديدة من التهديدات بالغة الخطورة التي يتعرض لها الأمن القومي الأمريكي ومصالحه العابرة للحدود.
و من أهم الأهداف الرئيسية للأمن القومي الأمريكي، والتي نصت عليه الوثيقة الإستراتيجية الأمنية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية 2002.
هو تحقيق الرفاهية الاقتصادية، و ذلك من خلال تأمين الاستقرار في الأقاليم الرئيسية في العالم، التي تقيم الولايات المتحدة الأمريكية علاقات تجارية معها، أو تستورد منها السلع الحرجة، مثل النفط والغاز الطبيعي. وتتطلب الرفاهية أيضا الحفاظ على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال التنمية الدولية والمؤسسات المالية والتجارية
ووفقا لما سبق فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الاهتمام الأمريكي بالجزائر عن محدد أو مرتكز رئيسي للسياسة الأمريكية الجديدة نحو المنطقة، وهو تأمين المصالح الإستراتيجية والحيوية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي، خاصة في ظل التهديدات الأمنية الجديدة في المنطقة
وتتنوع المصالح الأمريكية في شمال إفريقيا (المغرب العربي) حسب السيد مصطفى خلفي –وهي المنطقة التي ظلت في رقعة الشطرنج الأوروبية، والفرنسية على وجه التحديد- وتتسع لتشمل:
1- توثيق التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة لتأمين منطقة الشمال الإفريقي من أي أنشطة إرهابية، خاصة ما يتعلق منها بجماعات موالية لتنظيم القاعدة. وكانت العديد من التقارير أشارت إلى تحالفات بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية وتنظيم القاعدة. وهو ما تم بالفعل في جانفي 2007 .
2- تأمين آبار النفط خاصة الجزائرية لضمان تدفقها للأسواق الغربية، مع الأخذ في الحسبان أن غالبية الاستثمارات في هذا المجال أمريكية. بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية الأخيرة في موريتانيا.
3- الحصول على تسهيلات عسكرية بعد إعلان خطط خفض القوات الأمريكية في القارة الأوروبية، ويتم ذلك في ضوء ترتيبات برامج الشراكة بين حلف الناتو "NATO" ودول جنوب حوض المتوسط.
4- الحصول على حصة في سوق السلاح، خاصة الجزائري منه تزامنا مع صفقات الأسلحة الضخمة بين الجزائر و روسيا. لذا ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في الحصول على نصيب من طلب دول المغرب العربي على السلاح خاصة في ظل استمرار الأسعار المرتفعة للنفط.
ويضيف "وليام زرتمان"-وهو خبير أمريكي- إلى إستراتيجية الأمن بالنسبة للمغرب العربي، كون هذا الأخير له علاقات مع جهات أخرى ذات أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية،فهو يشكل الطريق ويحمي القناة المؤدية إلى الشرق الأوسط،و الأكثر أهمية من ذلك –يقول- إنه يوجد في الجهة الأخرى من النهر الأوروبي(ويقصد البحر المتوسط).
كذلك لابد عند تتبع السياسة الخارجية الأمريكية، والشراكة الأمنية مع الجزائر أن نقف عند محدد رئيسي، وهو قرب الجزائر بجنوبها الشاسع من المناطق الحيوية (آبار النفط) في إفريقيا الغربية ودول الساحل الإفريقي، التي تعول عليها كثيرا السياسة الطاقوية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية بهدف التقليل من التبعية النفطية لمنطقة الشرق الأوسط.
وتعتبر منطقة غرب إفريقيا، وهي المنطقة الأهم لإنتاج النفط في إفريقيا. حيث تضم نيجيريا المنتج الأول في إفريقيا، وهي عضو في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك). ويبلغ احتياطها نحو 36 مليار برميل،وبحجم يومي يصل إلى2.7 مليون برميل . بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية الضخمة في الخليج الغيني الذي تنشط فيه الشركات الأمريكية. و تمتلك غينيا الاستوائية أكبر عدد من الرخص المتداولة للتنقيب على النفط. و بها العديد من الشركات الأمريكية مثل "اكسون موبيل" و "شيفرون" و "ماراتون أويل" و "أميرادا هيس" و "أوشن إينارجي". وفي تحقيق قامت به صحيفة "ذا نايشن". كشف أن ثلثي الإلتزامات النفطية في غينيا الاستوائية الممنوحة لعملاء أمريكيين ذوي العلاقات الوطيدة بإدارة بوش. خصوصا وأن مناطق الإنتاج النفطي ومنها مناطق الساحليةoffshore))، تتميز عن بعدها عن خطر اللااستقرار السياسي،مقارنة بالخليج العربي التي تعد براميل نفطية مشتعلة و سريعة الالتهاب بفعل الصراع العربي-الإسرائيلي، وتنامي التيارات الجهادية السلفية المناهضة للمصالح الأمريكية .وهنا قد نفهم التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي لماذا يصر على تخلي الولايات المتحدة الأمريكية على نفط الخليج بنسبة 75% مع مطلع سنة 2020.
فالفكرة المحورية في الاهتمام الإستراتيجي الأمريكي بمنطقة غرب إفريقيا تتلخص في النفط أولا. وكان قد جرى تتويج تلك الحملة بنشر تقرير بالغ الأهمية، صادر عن "مركز الأبحاث الإستراتيجية والسياسيةCISIS"المقرب جدا من الإدارة الأمريكية والمحافظين الجدد بصورة عامة، والذي حذر من عواقب الاستمرار في الاتكال على نفط الشرق الأوسط، طارحا النفط الإفريقي كبديل أمثل. ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتقنع أكثر المستشارين النفطيين تشددا في البيت الأبيض بصوابية أطروحات ذلك التقرير.
وبالفعل ففي جانفي 2002، انعقد في واشنطن منتدى خاصا ضم إلى جانب فريق عمل الرئيس بوش وفريق عمل الكونغرس، نخبة من كبار خبراء إستراتيجية النفط الدوليين ومندوبي شركات النفط الأمريكية. وكان البند الأساسي في جدول الأعمال : النفط الإفريقي أولوية أمريكية. وتقول الخبيرة الإستراتيجية "آن لويز كولغان"، مديرة جمعية الحركة الإفريقية، والتي توضح أن اكتشافات حقول النفط الجديدة التي حصلت في إفريقيا خلال السنوات الخمس الأخيرة لم تكن الأهم في القارة فقط بل في العالم كله أيضا.
و في هذا الإطار سلطت الخطة القومية للطاقة التي أعدها فريق عمل نائب الرئيس "ديك تشيني"، الضوء على غرب إفريقيا باعتبارها المصدر الأسرع تطورا للنفط والغاز للسوق الأمريكي، في ظل تزايد الاعتماد عليه في المستقبل القريب. خاصة بعد استمرار الحرب في أفغانستان والعراق -وتدهور الأوضاع في هاتين الدولتين التي كانت الدوافع وراء احتلالهما بترولية بحتة- بالإضافة إلى تبلور مواقف معادية للولايات المتحدة الأمريكية في فنزويلا وإيران وهما من أكبر الدول المصدرة للنفط، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعانيها بعض الدول الشرق الأوسطية المصدرة للنفط.
لذلك كان لابد للإدارة الأمريكية التنسيق الأمني والعسكري مع الجزائر وباقي بلدان المنطقة لمكافحة الجماعات الإرهابية، والتي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها جماعات مهددة للمصالح الأمريكية في المنطقة حتى قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. والتطور المسجل في السنوات الأخيرة في العلاقات العسكرية الأمريكية الجزائرية سواء على المستوى العسكري مع إبداء الطرف الأمريكي إستعدادا للتنسيق الأمني في مجال مكافحة الإرهاب.
وهنا يمكن تصنيف مبادرة "بان ساحل"، التي لا يخلوا عن كونها تماشيا مع الإستراتيجية المعتمدة لدى صانعي ومنظري الإستراتيجيات الأمريكية في إدارة جورج ولكر بوش، والتي جمعت بين عاملي النفط والإرهاب كأهم ورقتين إستراتيجيتين يمكن من خلالهما تطوير العلاقات الأمريكية- الجزائرية.وبهذا فأنه بالنسبة للأمريكيين الأمن الطاقوي في المنطقة مرهون بالاستقرار في الجزائر نظرا لكل ما سبق.
و في الأخير ، يمكن تلخيص أن دور الجزائر أساسي بالنسبة لواشنطن من ثلاث زوايا: أولها: الإمكانات الاقتصادية (مواد أولية وفي مقدمتها النفط والغاز، وسوق داخلية كبيرة، وفرص استثمار) الضخمة، وبالتالي تعدد إمكانيات تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي تشهد تعزيزاً مستمراً، وثانيها: الاستفادة من الدبلوماسية الجزائرية لتسوية بعض النزاعات في إفريقية، مثل ما حدث في النزاع الاريتري-الأثيوبي. وثالثها: دور الجزائر في الحرب على الإرهاب، وبخاصة في التعاون متوسطياً وفي منطقة الساحل الإفريقية ، و أمريكا باراك أوباما هي أضعف و منهكة بالمقارنة مع ادارة بوش التي وطدت العلاقات مع الجزائر في حين أن إدارة أوباما القليلة الخبرة في السياسة الخارجية لم تقدر الوضع جيدا خاصة و أننا نتكلم على ركيزة إقليمية و قارية اسمها الجزائـــــــر ، و الحديث قياس …… !!!
التسميات
أمريكا