الانهيار الاقتصادي الأميركي ومساويء النظام الاقتصادي الرأسمالي.. الإرهاصات المنطقية للنتائج الحتمية لمقدمات السياسات الأميركية

إن الانهيار الاقتصادي الأميركي الذي يعبر عن نفسه من خلال الانهيار المالي فيها هو أحدى مساويء النظام الاقتصادي الرأسمالي بالموازنة والمقارنة مع النظام الأميركي، وهذا الانهيار ليس السوء الوحيد للنظام الاقتصادي الرأسمالي المعبر عنه بالنظام الاقتصادي الليبرالي والذي تنطوي عليه ظاهرة العولمة بالنظام العالمي الجديد الذي ترأسته وتدير دفته الولايات المتحدة الأميركية (بالحروب والكيل بالمكيالين والاقتصادي الذي أخذ بالإرتجاج والانهيار) إبان سقوط منظومة الدول الاشتراكية والاتحاد السوفياتي سابقاً: وهذا الانهيار الأمريكي المالي ينذر بأن يهدد بسقوط الأمبراطورية الأميركية في العالم ويشكل الإرهاصات المنطقية للنتائج الحتمية لمقدمات السياسات الأميركية التي وصفت عالمياً بأنها (سياسات غير مسئولة) على حد أقوال الاقتصاديين المتخصصين، بالإضافة إلى حالة فقدان الثقة بالإدارة الأميركية التي مارست شتى صنوف الكذب على شعبها وعلى العالم بأسره، فالنتائج تصنعها المقدمات سيئة كانت أم جيدة وفي هذه المقدمات على سبيل المثال لا الحصر سياسة (الفوضى الخلاقة) التي هدم بها بوش اقتصاد بلاده قبل غيرها هدما من جانب ومن جانب آخر فإن قانون الصيرورة أو السيرور، أخبرنا عن أسباب مثل الانهدام والأدبيات الأرضية والسماوية أخبرتنا هي بدورها عن حتمية خسران وزوال الجبروتيات الظالمة - ولكنها على ما يبدو لم تجبر بوش لكونه موج من السماء - ويعبث في سلم وأمن اقتصاديات الشعوب وفق التكاليف له ولطاقمه السياسي المتفلت من كل عقال منطقي وأخلاقي وإنساني حتى انقلب السحر على الساحر جالبين لبلادهم - ما جلبه الغراب لأمه - فإن كل سلطة أو دولة تطغى وتبغي وتظلم وتعبث في الأرض فساداً مهما بلغت من شأن وشاؤ فمصيرها الزوال والانهدام، ونهاية التاريخ الذي نظر فيها ودلل عليها (فوكوياما) استحالت منطقياً إلى نهاية تاريخ الاستكبار والاستعلاء والهيمنة على مقدرات الشعوب والأمم وظلمها وقهرها بقوة المال الطاغي والسلام ودائماً تحت شعار العولمة والنظام العالمي الجديد، والامبراطورية الأميركية كما يعلمه الجميع نشأت على انقاض شعب وأمة الهنود التي بادت من الوجود تقريباً، هي بذاتها كانت إحدى مستعمرات بريطانيا العظمى ساعدتها فرنسا يوماً وحررتها من استعمار بريطانيا قبل مئتي عام تقريباً إلا أن هذه الإمبراطورية الرأسمالية الإمبريالية محكومة بضرورتها الموضوعية والذاتية وهو فرض مشيئتها على العالم بأسره القريب منها والبعيد بقوة المال والسلام وبهذه القوة تعامل الصديق والعدو المفترض على حد سواء وهي وفي نشأتها الأولى ومسيرتها عبر التاريخ ومع نهاية الحرب العالمية الأولى مارست على العالم بالتعاون والتنسيق مع الصهيونية العالمية شتى أنواع وأصناف وأشكال من الحيل والمكيافيلية وانتهزت مشاكل الشعوب والأمم عقب الحرب العالمية الثانية بنت من خلالها مجدها المالي والسياسي والعسكري ضمنا مع الحرب التي أطلق عليها الحرب الباردة وينبؤنا التاريخ أن القوي القاهرة لابد أن ترجع إلى القهقرة وتدفع الثمن غالياً وهذا ما نشهده الآن من إرهاصاتها، وهذا الانهيار لم يأت من فراغ بل جاءت تتويجاً لمقاومات شتى لسياساتها ومخططاتها الشعوب ومن تجليات ومظاهر هذه المقاومة التي أبدعتها الشعوب وأشكال المقاومة غير المباشرة لهذه المخططات والسياسات الصهيو - أميركية، والمقاومة التي تعبر عن نفسها ورفضها لسياسة الهيمنة، إن الانهيار الاقتصادي الأميركي الذي شكل أزمة مالية على مستوى العالم لن تعالجه الخطط الآتية بل سيتأخر لفترة قليلة من الزمن، فأسباب الانهيار ما زالت مستمرة باستمرار سياسية العولمة بقطيبة سياسية عسكرية اقتصادية واحدة الأمر الذي يدلل وبوضح أن النظام الرأسمالي بنظامه الحالي ليس قادراً لوحده على إيجاد نظام اقتصادي عالمي بمفرده ولابد من آليات ونظام اقتصادي فيه نوع من الاشتراكية لكي يتمكن من بناء نظام اقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب السياسية والاقتصادية وأكثر عدالة.
ويمكننا القول بأن المال العربي وخصوصاً الخليجي والأرصدة المودعة في البنوك الأميركية هي التي ستدفع ثمن الانهيار الذي بدأ وكأنه لعبة أميركية غايتها ابتلاع الأموال العربية تعويضاً عن خسارة الحروب التي خاضها المحافظون الجدد، وهذه الصورة القائمة تهدد فعلياً عهد أوباما الذي ورث اقتصاد هلك وأهلك القوي الاقتصادية العالمية معه وبدأ يفقد قوته أمام الشرق الآسيوي المتضخم تجارياً يوماً بعد يوم خاصة إذا كنا نتحدث في الشارع الأميركي عن شعب يرى نفسه يفقد وظيفته وتزداد مصروفاته وتحترق مدخراته في البنوك والبورصات، ويتخوف أصحاب الثروات من المقترحات التي يقدمها أوباما لرفع الضرائب على أصحاب الدخول العليا التي يمكن أن يكون لها تأثير مثبط على كل من الاستثمار الخاص والنمو في الأعمال التجارية ما سينعكس على كمية الأموال التي ستهاجر إلى ملاذات أكثر أمناً وحكومات تقدم تسهيلات أعلى أو ستبقى في مكانها ويتحملها الوطن الأميركي في النهاية ويرى المراقبون أن الحلول القليلة أمام أوباما والتي يمكن أن تصل به على قارب الاقتصاد الأميركي إلى شاطئ النجاة تعتمد على دعم الكونجرس له بتغيير بعض الأنظمة الاقتصادية وربما الوصول إلى القناعة البريطانية بتأميم بعض المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى المهددة وبالتالي تقليص الدور الرأسمالي في العملية الاقتصادية الأميركية وخلق بيئة تستطيع إعادة عمل عجلة الدورة الشرائية بما ينعكس على توافر البنوك والوظائف والتنمية الشاملة للولايات المتحدة ودعم الصناعات وخاصة شركات المعادن والطاقة البديلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال