المبادئ الوطنية والقومية للسياسة الخارجية العراقية.. الربط بين الاستقلال السياسي والتنمية الاقتصادية

من المؤكد، أن ثورة 17-30 تموز 1968، عكست أبرز تحول سياسي هام في تاريخ العراق الحديث. حيث تطور الفكر السياسي على صعيد الدولة، عبر الربط الحي، بين الأيديولوجية العربية والأحداث السياسية، وبرزت مسألتان: اقتصادية، هيمنة شركات النفط الأجنبية؛ اجتماعية، المسألة الكردية، الوحدة الوطنية.
لذا جاء الأداء السياسي للدولة ليعكس الاهتمام بالربط بين الاستقلال السياسي والتنمية الاقتصادية، لأن السياسة الخارجية للدولة تمثل حصيلة العلاقات التفاعلية بين الحقائق والمتغيرات المكونة للبيئتين الداخلية والخارجية للدولة. لقد تأسست الإستراتيجية السياسية العراقية على قاعدتين متفاعلتين: الأولى، أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي، والثانية، التجربة الواقعية والميدانية، لما يبلور رؤية منطقية لجمهورية العراق حيال القضايا الدولية.
اختلفت نظرة حزب البعث إلى السياسة الخارجية عن نظرة النظم والأحزاب التقليدية، التي لا تؤدي إلا للتناقض "والغموض والتذبذب الدائم وتسمح بتسخير السياسة القومية للأغراض والمصالح الشخصية"، ورفض حزب البعث الانطلاق من سياسة تعصبية عقائدية مصطنعة، تقع خارج دائرة الأمة العربية، وشدد على ضرورة استناد السياسة العربية على القومية، وأن تعمل "بوحي من مصلحة الأمة العربية، ورسالتها الإنسانية" للدفاع عن حرية الشعب العربي والشعوب المستعمرة، ورفض حزب البعث مفهوم "السياسة الواقعية"، لأنها تقود إلى مهادنة الإمبريالية. لقد طالب الشعب العربي :"بالتحرر من الاستعمار والاستثمار، (وأكد أن) معركته، معركة شعب لا معركة طبقة" وفي هذا، يلتقي العرب مع اتجاه العصر، اتجاه الشعوب والأمم، ومع التقدم البشري العام.
لقد نظرت الأيديولوجية إلى سياسة الصراع بين المعسكرات "نظرة حياد واستقلال"، وأكدت على رفض الانحياز للقوى الكبرى، ورفضت تقسيم العالم إلى كتل متصارعة وطالبت بالعمل على :"فسح المجال لتعيش الشعوب، ضمن الأنظمة المختلفة"، وهذا يعني رفض الارتباط بمعاهدات مع الدول الاستعمارية، لأنها تتعارض مع حرية واستقلال ووحدة الأمة العربية. إن سياسة عدم الانحياز كما يراها القائد المؤسس "لا تعني رفض التعامل مع الغرب بل رفض احتكار الغرب لهذا التعامل، وتقبل بالتعامل مع الغرب والشرق على السواء لتحقيق مصلحة شعوبها". عبر الدعوة لإقرار سلام عالمي مبني على المساواة بين الشعوب، من أجل بناء الديمقراطية وتحقيق الازدهار. "لأن الفقر والحرب يهددان السلم والرخاء العالميين"، لذا يتوجب على الدول الكبرى العمل بجدية لوضع حلول جذرية لمشكلات الدول النامية وتوفير مستوى لائق لكل الأمم، يضمن الحرية ويحقق الوحدة ويمنع اندلاع الحروب، لذا طالب حزب البعث لتحقيق التوازن في العلاقات الدولية العمل على : إلغاء جميع المعاهدات مع الدول الأجنبية، رفض الأحلاف وإجلاء القواعد، تأميم النفط واستثمار الثروة القومية، التمسك بمبادئ عدم الانحياز.
ما تقدم يعني باختصار : صيانة الاستقرار لتأكيد الخصوصية، مع ضرورة "الانفتاح على العالم وتجاربه المعاصرة" هذه هي أبرز عناصر السياسة الخارجية العربية، والعلاقات الدولية، والتي بقيت متحررة من الجمود العقائدي أو الدوغمائية، لأن الأفكار الحية كما يقول القائد المؤسس تكون دائما "في حالة إعادة بناء". بناء على هذه المبادئ الأيديولوجية القومية العربية وضعت أهداف السياسة الخارجية العراق بعد 17-30 تموز 1968.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال