الوطن بصلاح أهله أو فسادهم.. المحافظة علي هيبة الدولة وتنمية ثقافة العمل والإنتاج وإطلاق الحريات العامة وتقدير المعرفة

يقول بعض الحكماء" البلد الصالح هو وطن يسكنه اناس صالحون، والبلد الفاسد بلد يسكنه أناس فاسدون" قضية الصلاح والفساد في بلد ما هي نسبية قد تزيد أو تنقص ومعيار النقص أو الزيادة  هو هذا الإنسان الذي يعمر هذا البلد فهناك علاقة طردية في صلاح أو فساد بلد ما مع الذين يعمرون هذا البلد،لذا يمكن القول إن هناك قيما حضارية للمواطن الصالح في مجتمع ما، ففي الدول الغربية مثلا لا يميل الناس كثيرا إلي إخلال النظام الذي يحفظ الصالح العام فهم يحافظون علي هيبة الدولة ويبدو أنهم قطعو شوطا كبيرا في تنمية ثقافة العمل والإنتاج، ونبذ الظلم في حدود دولتهم، وبإطلاق الحريات العامة، وتقدير المعرفة واحترام أهله،يضاف إلي ذلك قوة الصبرة وسرعة النهوض عن الكبوات والكوارث، وكأن المواطنين في هذه البلاد لديهم قاعدة ذهبية تقول"ما الذي يمكن أن أضيفه علي بلدي من أفكار ومشاريع" وهذا عكس ما يقوله المواطن الفاسد في البلد الفاسد إذ يوجد عقلية ساذجة لديه تقول "مالذي يقدمه الوطن لي" فثقافة الأنا هي أولي الأمراض التي تنتشر في المجتمعات الفاسدة وتغيب العقلية الجمعية.
في وطني الإسلامي وفي الصومال خصوصا لا اشك في صلاح أهله لكني أري أعراض فساد طاغ ، إلا أنه ليس متجدرا في المجتمع وهو بمثابة قشرة تفتقر إلي قدر من الوعي والعلم والرجال والنساء، إن الارتقاء ببعض القيم الحضارية والتي تمتلك الأمة الرصيد الكافي منها لكفيل بإزالة هذه القشرة.
أنا لم أعاصر حكومة سياد بري لكني عرفت من الأطلال التي بقيت أنها كانت دولة صالحة بالمقارنة مع الواقع الذي نعيشه في أغلب المجالات الضرورية للبلد الصالح، وأري أن المواطنة كانت أصلح يومها وإن عاني البعض من ويلاتها.
 كم أخذتني الغيرة حين رأيت شابا سودانيا في العقد الثاني من عمره يحمل حقيبة الجامعة وينتمي لرجال الأمن يقتاد بعض المخالفين للنظام العام للمواصلات إلي أقرب موقف شرطة مرور ببضع كلمات بصيغة الأمر المهذبة... والأعجب من ذلك سرعة الإستجابة لكل من المواطنين والسواق لتنفيذ هذا الأمر... طلبة كانو يستعجلون الوصول إلي محاضراتهم.... ورجال أعمال وكثيرون من مختلف الفئات العمرية يترجلون من السيارة بسلاسة ودون أدني تذمر... حقا هذه هي هيبة الدولة والقانون " إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقراءن".
 في بلدي تمزقت هذه الهيبة وهذا السلطان فشرطي معه سلاحه لا يستطيع الفصل بين خصمين والأدهي من ذلك أن مسؤول الشرطة في إحدي المحافظات استدعي لفصل خصومة مجموعة من الطلاب مع أساتذة المدرسة والإدارة ،وكان يتزعم هذا التمرد طالب مشاغب معروف فكلمه المدير ورفض والأساتذة واحدا تلو الآخر فرفض وجاء مسؤول الشرطة فرفض أن ينصاع لأوامره وحذره من أن يفكر في تصرف غبي لا تحمد عقباه هنا دعت الحاجة إلي هيبة من نوع آخر واستدعي هذا المسؤول من مسافة 250 كلم ليحل هذا العقد فجاء وأنهي القضية ببضع دقائق بفصل هذا الطالب وتحويله إلي مدرسة أخري تقع في مدينة تبعد بمسافة 500 كلم ... من عرف هذه الهيبة التي حلت محل هيبة القانون؟؟؟!!!.
سجلت زيارة لمستشفي كينياتا الحكومي في نيروبي – شعبة الجراحة- فكانت أول خاطرة سقطت في رأسي "هذا هو معني وجود دولة مهما كان أداؤها ضعيفا" فقد رأيت هناك شيئا من العناية الصحية الدورية للمرضي ومجموعة من الأجهزة الطبية الراقية وأعرف أني لو سألت أحد المرضي عن إلإمكانيات المتوفرة في المستشفي لتطير من جدواها لأنه يوجد لدي القوم مستشفيات أرقي منها ومن النادر أن تري مستشفي موسمي"أغرب طرفة سمعها وفد من البنك الإسلامي الذي زار بعض مناطق الصومال" ومستشفي لا تتوفر لديه الإسعافات الأولية للجرحي.
البلد الصالح هو هذا البلد الذي يعي مواطنوه معني الدولة ، فالدولة كماهو سائد في فكر كثير من بني وطني هي تلك المناصب التي يتم توزيعها بين القبائل ، و فكر آخر لا يقل عنه إعوجاجا عن الصراط المستقيم وهو الذي يري أن دولة الحق هي التي تتبني آراءه ومبادئه وهي أيضا هي التي يكون هو صاحب كلمة الفصل فيها وأن الخيارات المفتوحة أمام خصومه تكاد تتطابق مع التعليمات المسيحية في إنجيل لوقا والتي رفعها بوش في حربه الصليبة"إما أم تكونو معنا أو ضدنا"وهذه الأصناف يصدق عليهم توصيف د/عبدالكريم بكار"أضر شيئ علي الوطن أقوام يتحدثون عن أمجاده ويتغنون بإسمه،وهم يعملون علي إيذائه والإساءة إلي سمعته،وأعيذكم بالله من أن تكونو مثلهم".
 أنا شخصيا كانت الدولة في نظري قبل بضع سنوات ذلك النظام الذي يجد من يتربع علي كراسيه أكبر سرقة للمال العام وأكبر نفوذ للوساطة بالوظائف الشاغرة ، وبالفعل تغيرت نظرتي لها من هذه الزاوية إلا أن الشعور بأن هذا هو الواقع السائد لم ينتهي بعد.
أكاد أجزم أن الدولة والنظام عامل مهم لبناء بلد صالح وأن كل الجهود التي يبذلها الغيورون علي بلدنا ستظل ناقصة وغيرفاعلة لتربية المواطن الصالح إذا إستمرت هذه الفوضي.
 أعتقد أحيانا أن الإسلاميين وبالأخص الدعاة مواطنون مخلصون لدار الآخرة فجل كلامهم ينصب في تزكية النفس والعمل لدار الآخرة ونادرا ما تري شيخا معروفا يدعو إلي إحترام النظام والمحافظة علي هيبة الدولة وتعبئة المجتمع في هذا الإطار لأنها مواطنة دنيوية وما عند الآخرة خير وأبقي والأغرب أن شباب الصحوة طبعا سيكيلون له الإتهامات بالتملق والتمسح علي ناس الحكومة مما كون لدي بعض الدعاة الواعين عقدة نفسية عن الحكومة والسياسة  فيضر أن يعمل ضد قناعاته أحيانا تماشيا مع التيار العام.
 أري أنه آن الأوان لطرح خطاب دعوي يهتم أكثر بجوانب الدولة والنظام ويوجه المجتمع نحو إحترام القانون ممهما كان أداؤه هزيلا فثقافة الفوضي تجدرت في المجتمع ، ويبدو أن الناس يئسو من عودة النظام والقانون الصارم فأصبحت التصرفات الغير المسؤولة في الحياة اليومية شيئا طبيعيا هذا يقيم فندق جنب معسكر معروف للجيش وهذا يقيم جنب المعسكر شققا سكنية ، هذا يقيم متجرا علي بعد أمتار من الطريق العام وهذا يقطع طريقا حيويالغرض بناء شقة سكنية، وهذا يفتح مدرسة ثانوية  بفصولها الأربعة فجأة في سنة واحدة وهلم جر من الغرائب التي نتجت عن غياب ثقافة الوعي بالنظام.
وفي الختام ثقافة الدولة والنظام مسؤولية تخص الجميع لأن نفعها يعم ، وبالتالي نحن بحاجة إلي جهود يشارك فيها مختلف شرائح المجتمع من تجار ومثقفين وعلماء ودعاة ورجال السياسة وذلك لصناعة البلد الصالح.
عبد الله فالح مري
أحدث أقدم

نموذج الاتصال