من صفات المدرس.. الإخلاص لله وحده ركيزة أدب العالم مع طلبته

إنه ما من عمل أو مهمة صغرت أو كبرت إلا ولمن يقوم بها صفات لابد أن يتحلى بها، وصفات لابد أن يتخلى عنها، فكيف بمن يتولى أمانة إعداد الجيل، وتربية النشء؟

والحديث عن صفات المعلم يطول، فاقتصرت هنا على ما أرى ضرورة إيراده، إما لكثرة الإخلال به، أو لارتباطه بالتوجيه، أو لأن البعض قد يجهله ويغفل عنه.

ويمكن أن نقسم هذه الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المدرس إلى صفات إيجابية ينبغي له أن يتصف بها، وصفات سلبية ينبغي أن يتخلى عنها.

الإخلاص لله وحده:
وهي خصلة تواطأ من ألَّف من سلف الأمة في أدب المعلم على الوصاة بها.

قال الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته: "الأول أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، ودوام ظهور الحق وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه" (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (47)).

وقال الإمام النووي: "ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله لما سبق، وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي، فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات، ليكون ذلك حاثاًّ له على تصحيح النية، ومحرضاً له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته، مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم" (المجموع شرح المهذب (1/30)).

وحين يصلح المدرس نيته، ويطيب طويته يتحول عمله إلى عبادة لله وحده، ويكتب له نصبه وجهده وكل ما يلاقيه حسنات عند الله، فلئن كان الرجل يثاب حين يأتي زوجته، أو حين يرفع متاع الرجل على دابته، أو حين يكف لسانه عن القيل والقال، أفلا يثاب من يغار على أبناء الأمة ويحمل همهم؟

والإخلاص أخي المدرس ينتج عنه أن تتمتع بكل ما يتمتع به الآخرون في الدنيا من مزايا مادية، وإجازات... وتزيد عليهم في الدنيا أنك تتذوق عملك، وتعشق مهنتك فتحبها وتقبل عليها، وأن جميع الساعات التي تقضيها كل يوم في مدرستك، بل في ذهابك وإيابك مدخرة لك عند الله عز وجل.

أما الدار الآخرة فهي المقصود الأعظم والمطلب الأسمى، فهناك أي ثواب سيناله المخلصون، وأي أجر سيكتب لهم؟ هذه أمور لا تدركها أنت ولا أنا، إنما علمها عند الله [والله يضاعف لمن يشاء] (البقرة:261).

والنية الخالصة مع كونها شعوراً داخلياً إلا أنها تمثل عاملاً مهماً يضبط سلوك المدرس، ويفرض عليه رقابة داخلية؛ فيتقن العمل ويرعى الأمانة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال