سلطة المال وقيادة قطيع العالم.. مؤامرة الكوارث المالية وتقييم مقدار النجاح في دول العالم من خلال معظم الحكومات والجيوش

ينتقد بعض الأميركيين حكومتهم بالقول أنّ الرأي العام الأميركي يستحقّ توضيحاً وافياً عن الكوارث المالية التي حلّت به منذ عامين ولا زالت مستمرّة، ويستحقّ توضيحاً عن الجهات التي تقع عليها المسؤولية الفعلية في وقوع هذه الكوارث. ويضيف أحدهم أنّه من دون توضيح حقيقة ما حدث لن تنهض إطارات سياسية (أميركية) متفهّمة، ولن تتبلور إرادة سياسية (أميركية) مؤهّلة لتغيير أيّ شيء!
والحال أنّ من يستحقّ التوضيح هو الرأي العام العالمي كلّه وليس الأميركي وحده.
 بل إنّ من يحتاج إلى التوضيح أكثر، حاجة مصيرية وجودية، هو الرأي العام العربي والإسلامي، الذي لا تنحصر خسائره في ميادين المال والأعمال، ولا تنحصر في بطالة وتشرّد الموظفين والفلاحين والعمال والطلاب، بل تتعدّى ذلك بكثير لتبلغ حدّ الإبادات الجمعية بالآلاف وعشرات ومئات الآلاف بل الملايين. فخلف حملات الإبادات الجمعية التي تشنّ ضدّ العرب والمسلمين تقف الجهات نفسها التي تسبّبت بأزمة الرهن العقاري الأميركي، وتسبّبت في ما ترتّب عليها من مضاعفات اقتصرت على الإفلاسات والتشرّد والبطالة التي أصابت قطاعات واسعة من الشعب الأميركي. لقد نكب الشعب الأميركي، لكنّ نكبته لم تبلغ حدّ سفك الدماء وهلاك ملايين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، كما هو الحال في البلاد العربية والإسلامية.
إنّ النقّاد الأميركيين يوجّهون إصبع الاتهام إلى المجرم الأبرز والأهمّ، إلى مؤسّسة "غولدمان ساكس" المالية الربوية. إنّهم يقولون أنّ هذه المؤسسة، بفضل نفوذها السياسي في الحكومة الأميركية، هي التي تقود قطيع (الذئاب) في "وول ستريت"، وهي التي تقود وزارة المال في واشنطن، ولجنة المال في الكونغرس. ولكن إذا كان هذا حالها في واشنطن فكيف لا يشيرون إلى نفوذها السياسي العالمي، وإلى قيادتها لجميع قطعان الذئاب في جميع أنحاء العالم، والجميع يعرف ما لواشنطن من نفوذ في العالم عموماً؟
وجدير بالتذكير أنّ قطعان الذئاب العالمية تجتمع مرّة كلّ عام في دافوس السويسرية، بإدارة القطيع الأميركي، لمراجعة وتقييم مقدار النجاح الذي حقّقته في ميادين اصطياد الفرائس خلال العام الماضي في جميع القارات، ولتقدير ما ينبغي عليها تحقيقه في العام القادم في جميع القارات، وهي تتخذ قراراتها استناداً إلى هيمنتها على معظم الحكومات والجيوش في معظم دول العالم، وبخاصة الهيمنة على حكومة وجيش الولايات المتحدة الأميركية كحلقة مركزية في هيمنتها الدولية!
نعود إلى القضية العظيمة الأهمية، بل المصيرية، وهي قضية توضيح ما حدث ويحدث وكشف الذين يقفون وراء ما حدث ويحدث، لنقول أنّ الشعوب العربية والإسلامية هي أوّل من يحتاج إلى التوضيح والوضوح، حيث مصيرها بل وجودها يتوقّف على معرفتها لحقيقة ما حدث ويحدث في بلادها وحقيقة من وقف ويقف وراءه حتى اليوم. فقد أرغم العراقيون، مثلاً،على الانصياع للقول بأنّهم وحدهم يتحمّلون مسؤولية ما حلّ ببلادهم من كوارث، وكذلك حال الفلسطينيين وغيرهم، فلا علاقة لروكفلر بمآسيهم الخطيرة سابقاً، ولا علاقة لغولدمان ساكس بمآسيهم الأخطر حالياً!
إنّها لكارثة وجودية عظمى أن يسلّم العراقيون بالإيحاء القائل أنّ مشكلتهم الأساسية داخلية إقليمية طائفية عشائرية إرهابية إيرانية.. الخ! وأن يسلّم الفلسطينيون بالإيحاء القائل أنّ مشكلتهم الأساسية سببها المستوطنون اليهود وهذه الحكومة الإسرائيلية أوتلك، وسببها حركة (فتح) أو حركة (حماس)، وهذه الحكومة العربية أو الإيرانية.. الخ! إنّ القبول بهكذا إيحاءات، واستبعاد روكفلر (النفطي/المالي) في الماضي وغولدمان ساكس (المالي/النفطي) في الحاضر، يعني الانزلاق نحو هاوية الاضمحلال والفناء دون أدنى ريب أو شكّ! غير أنّ ما يبعث على القلق أكثر هو أنّ بعض القادة العرب، من الحاكمين والمعارضين، يتوجهون اليوم إلى غولدمان ساكس لينصرهم وينصفهم، مثلما توجّهوا بالأمس إلى روكفلر لينصرهم وينصفهم، بينما مؤسسات الدراسات والتثقيف والإعلام العربية الإسلامية تبدو في معظمها كأنّما هي متواطئة ضدّ الحقائق وبالتالي ضدّ شعوبها وأمتها!
لقد كان النفط في الماضي، في زمن روكفلر، هو الذي يقود حركة المال، وكانت الحكومة الأميركية تتدخّل أحياناً لضبط مخالفاته في المراكز وليس في الأطراف، أمّا في الحاضر، في زمن غولدمان ساكس، فإنّ المال هو الذي يقود حركة النفط وغير النفط، والحكومة الأميركية تبدو عاجزة عن ضبط مخالفاته لا في المراكز ولا في الأطراف، بل هي تبدو أداة من أدواته. وهكذا فقد كانت معاناة الناس مفهومة في الماضي، في مواجهة الاحتكارات النفطية المحدّدة الواضحة، أمّا اليوم فيبدو فهم المعاناة وأسبابها شديد الصعوبة، حيث المرابون الذئاب في عملياتهم الاقتصادية الغامضة، الغادرة، التي تعتمد السندات الورقية الرقمية والمضاربات والمراهنات الخلّبية الاحتيالية، ساووا في القيمة بين سلعة النفط الثمينة وسلعة القمامة الحقيرة! لقد تحوّلت جميع السلع إلى مجرّد أوراق وأرقام، بينما انقلبت الأسواق وعلاقات الأسواق، والإنتاج وأدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج، إلى مجرّد كازينوهات وألعاب قمار!
إنّ مؤسسة غولدمان ساكس المالية الربوية، التي لا يعرف أحد من الأميركيين شيئاً عن الوسائل التي تجني بوساطتها أرباحها الخرافية، خرجت من الأزمة المالية أقوى من ذي قبل، بعد أن انتشلتها الحكومة الأميركية بمليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين ومن ودائع ومدّخرات النفطيين الأجانب، بينما تركت منافسيها لمصيرهم المأساوي. أمّا ميزتها عن غيرها من المفلسين فهو نفوذها السياسي، حيث إذا أخذنا الحكومات الأميركية الثلاث الأخيرة المتعاقبة فسوف نجد وزراء المال من رجال غولدمان ساكس، في عهود كلينتون وبوش وأوباما، وسوف نجدها ممثلة في عهد أوباما بالوزير وباثنين من مساعديه الرئيسيين! ناهيكم عن أنّ 12 سناتوراً من الأعضاء الأبرز في"لجنة الخدمات المالية" التابعة لمجلس الشيوخ تلقّوا الدعم المالي في حملاتهم الانتخابية (35 في المائة من تمويل حملاتهم) من المصارف الاستثمارية، وأوّلها وأهمّها طبعاً مؤسّسة غولدمان ساكس. أي أنّ حكومة أوباما هي الأكثر ارتهاناً لهذه المصارف، وبالتالي الأكثر طواعية!
 نصر شمالي

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال