الأحمدية القاديانية.. ميرزا غلام أحمد بين تقمص الإصلاح الديني وادعاء النبوة والمهدية

انشقت القاديانية -بعد نشأتها بقليل- إلى شقين، وتفرع عنها ما يعرف باسم "الأحمدية"، أو "جماعة لاهور"، وزعيما هذا الفرع: "خواجة كمال الدين" و"مولاي محمد علي" ولهذا الفرع نشاط كبير في الخارج، في آسيا وأوروبا، وقد انتهى مولاي محمد علي من ترجمة القرآن الكريم إلى الإنجليزية في سنة 1920م، وألف كتابه "الإسلام" في 1936م، ويبلغ عدد الأحمدية نحو نصف مليون، منهم ستون ألفا في الهند.

والفرق بين "القاديانية" الأصلية وبين هذه الشعبة التي تعرف باسم "الأحمدية" أو باسم "جماعة لاهور": أن هذه الشعبة تنظر إلى "ميرزا غلام أحمد" مؤسس المذهب على أنه مصلح ديني فقط, بينما تنظر إليه القاديانية على أنه نبي مرسل.

ففي كتاب "حقيقة النبوة" لميرزا يشير أحمد الخليفة الثاني: أن "غلام" أفضل من بعض أولي العزم من الرسل "ص257"، وفي صحيفة الفضل "المجلد الرابع عشر 29 أبريل سنة 1927م": أنه كان أفضل بكثير من الأنبياء، ويمكن أن يكون أفضل من جميع الأنبياء، وفي صحيفة الفضل "المجلد الخامس": "لم يكن فرق بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلاميذ ميرزا غلام أحمد إلا أن أولئك رجال البعثة الأولى وهؤلاء رجال البعثة الثانية" وفي عدد 92 بتاريخ 28 مايو سنة 1918م من الفضل "المجلد الثالث": "ميرزا هو محمد -صلى الله عليه وسلم، وهو مصدق القرآن الكريم: اسمه أحمد".

وبمساعدة الأخير للحركة التقدمية التي قام على الدعوة إليها سير "أحمد خان"، وكذا للمذهب القادياني الذي أسسه "ميرزا غلام أحمد" شهدت الهند الإسلامية -أو شهد العالم الإسلامي كله- فرقة أخرى في التوجيه والعقيدة بين المسلمين، كما شهد مظهرا فكريا إسلاميا تبناه الإنجليز لمصلحة الاستعمار الغربي إذ لا شك أنه عمل عقلي إنساني انطوى على محاولة جديدة طويلة المدى، صعبة المركب، لتغيير اتجاه الجماعة الإسلامية إلى ما لم تألفه، وإلى غير ما درج عليه اعتقادها.

وضربته روح الشيخ فلم يبق بينه وبين الآدمي عمل، ولم يكن منه بإزاء لحم ودم، فلو أكل الضوء والهواء والحجر والحديد، كان ذلك أقرب وأيسر من أن يأكل هذا الرجل المتمثل في روحانيته لا يحس لصورة الأسد معنى من معانيها الفاتكة، ولا يرى فيه إلا حياة خاضعة مسخرة للقوة العظمى التي هو مؤمن بها ومتوكل عليها، كحياة الدودة والنملة وما دونها من الهوام والذر!

وورد النور على هذا القلب المؤمن يكشف له عن قرب الحق سبحانه وتعالى، فهو ليس بين يدي الأسد ولكنه هو والأسد بين يدي الله، وكان مندمجًا في يقين هذه الآية: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}.

ورأى الأسد رجلًا هو خوف الله، فخاف منه، وكما خرج الشيخ من ذاته ومعانيها الناقصة، خرج الوحش من ذاته ومعانيها الوحشية؛ فليس في الرجل خوف ولا هم ولا جزع ولا تعلق برغبة، ومن ذلك ليس في الأسد فتك ولا ضراوة ولا جوع ولا تعلق برغبة.

ونسي الشيخ نفسه فكأنما رآه الأسد ميتًا ولم يجد فيه "أنا" التي يأكلها، ولو أن خطرة من هم الدنيا خطرت على قلبه في تلك الساعة أو اختلجت في نفسه خالجة من الشك، لفاحت رائحة لحمه في خياشيم الأسد فتمزق في أنيابه ومخالبه.

قال: وانصرفنا عن النظر في السبع إلى النظر في وجه الشيخ، فإذا هو ساهم مفكر، ثم رفعوه وجعل كل منا يظن ظنًّا في تفكيره، فمن قائل: إنه الخوف أذهله عن نفسه، وقائل: إنه الانصراف بعقله إلى الموت، وثالث يقول: إنه يكون الفكرة لمنع الحركة عن الجسم فلا يضطرب، وزعم جماعة أن هذه حالة من الاستغراق يسحر بها الأسد؛ وأكثرنا في ذلك وتجارينا فيه، حتى سأله ابن طولون: ما الذي كان في قلبك وفيم كنت تفكر؟

فقال الشيخ: لم يكن علي بأس، وإنما كنت أفكر في لعاب الأسد، أهو طاهر أم نجس..
مصطفى صادق الرافعي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال