هناك ظاهرة مركزية أخرى: إذ استهوت ديناميكية العولمة جميع الدول تقريباً، ويتعلق الأمر، إذا صح القول، بثورة رأسمالية ثانية، إذ تمس العولمة الاقتصادية، أقل ثنايا الكرة الأرضية متجاهلة استغلال الشعوب تماماً أيضاً، مثلما هو الأمر بتنوع الأنظمة السياسية.
فقد عرفت الأرض، عصراً جديداً، من الغزو أيضاً، كما حدث في عصر الاستعمار. ففي حين كان الفاعلون الرئيسون في التوسع السابق من الغزاة، وكانت الدول هي الغازية. لكن هذه المرة، أصبحت المشروعات والتكتلات المكونة من المجموعات الصناعية و المالية الخاصة. هي التي تعتزم السيطرة على العالم. فلم يكن أبداً سادة الأرض، قليلي العدد، ولا أقوياء أيضاً بمقدار ما هم عليه اليوم. وتقع هذه المجموعات، في ثالوث مشكّل من الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الاتحاد الأوربي وأخيراً اليابان، بصورة رئيسة، ويقع نصف هذه المجموعات في الولايات المتحدة.
وقد تسارع هذا التمركز في رأس المال والسلطة، خلال مجرى العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، بشكل رهيب، تحت تأثير الثورات التكنولوجية والمعلوماتية، وستكون هناك قفزة جديدة إلى الأمام ستنفذ ـ انطلاقاً من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع التقنيات الجينية الجديدة، المتعلقة بالأحياء، فاتحة الأبواب أمام توقعات جديدة، من التوسع في الرأسمالية. وتستعد الخصخصة الكبرى لتمس كل ما في الحياة والطبيعة، مشجعة على ظهور سلطة مطلقة أكثر، مما هو محتمل، وأكثر من جميع ما أمكننا معرفته في التاريخ.
ولا تستهدف العولمة، غزو البلدان، أكثر من غزوها للأسواق، إلى درجة ما، و إن ما يقلق هذه السلطة الحديثة، ليس غزو المناطق في الواقع، كما كان عليه الحال في الفتوحات الكبرى حيث كانت حقبات الاستعمار، بل الاستيلاء على مناطق الثروة.
ويترافق هذا الغزو، مع تدمير عجيب لكل شيء، كما حدث في العراق من قبل الجيوش الأمريكية والإنجليزية. وكما حدث في الأرجنتين بطرق أخرى، حيث حدت انهيار، يستحق المرور عليه، وذلك في كانون الأول، من عام (2001). لقد كان هذا البلد مثالاً، إلى درجة أن امتدحه صندوق النقد الدولي، كرمز شامل للتطور، وبأنه يحاول أن يجرب تصدير تجربته وتعميمها على العالم، مع إصرار دوغماتي، لتشمل الكرة الأرضية بالكامل، لكن، مثل سقوط الأرجنتين، بالنسبة الليبرالية الجديدة (NEOLIBERALISME)، كسقوط دار برلين بالنسبة للاشتراكية الدولية، إنه الموضوع المرتبط بفقدان الثقة، والتأكيد على وجود المأزق، لأنه أصبح في كل مكان من العالم، صناعات أضحت بالكامل، ضحايا كارثية بصورة عنيفة ، وفي جميع المناطق، ومع جميع الآلام الاجتماعية التي تنتج عنها، كالبطالة الشديدة،والاستخدام الجزئي لليد العاملة وعدم الاستمرار في العمل، أو الطرد منه، وأصبح هناك (18) مليون شخص، في نطاق الاتحاد الأوربي، دون عمل، كما أن مليون شخص، في نطاق الاتحاد الأوربي، دون عمل،كما أن هناك (1) مليار عاطل عن العمل، أو استخدام جزئي في العالم...
وهناك أيضاً، استخدام، مفرط للرجال والنساء، وما هو شائن أكثر، استغلال الأطفال: فهناك (300) مليون منهم، يعملون بشروط أكبر من قدراتهم وبظروف قاسية.
والعولمة، هي أيضاً عمليات سلب ونهب على مستوى العالم، ويجري تدمير المجموعات البيئية الكبرى، بوسائل خارج القياس فتستغل الثروات الطبيعية، والإرث البشري... بإفراط لا مثيل لـه. هذه الثروات التي هي الخير المشترك للإنسانية.
وتقوم بتبديدهاـ دون وازع من ضمير أو رادع. ويترافق ذلك، مع استغلال مالي، يرتبط بأوساط رجال المال والأعمال والبنوك الكبرى التي تتعامل بمبالغ تتجاوز (1000) مليار دولار في اليوم، بعبارة أخرى، أكثر من الناتج القومي الخام (PNB)، لثلث الإنسانية.
موسى الزعبي
التسميات
عولمة